للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدين على رأس المئة الرابعة (١).

أما كلام الذهبي في الصوفية فصحيح ما قاله السبكي، ولكن في النادر منهم، وهذا رأي ارتآه الذهبي واعتقد فيه وآمن به؛ فقد ميّز بين طائفتين منهم:

أولاهما: كانت متمسكة بالدين القويم متبعة للسنة، احترمهم الذهبي الاحترام كله، بل لبس هو خرقة التصوف من الشيخ ضياء الدين عيسى بن يحيى الأنصاري السبتي عند رحلته إلى مصر (٢) وقال في ترجمة فرج الزنجاني المتوفى سنة ٤٥٨ من تاريخه: "وهو الذي لبسنا خرقة السهروردي من طريقه" (٣). وكان يعتقد ببعض كرامات كبار الزهاد ويعنى بإيرادها في كتابه بل يكثر منها عادة (٤)، ويورد بعض أقوالهم وحكاياتهم في الزهد والمحبة فيه (٥).

أما الثانية: فقد اعتبرهم الذهبي مارقين عن الدين مشعوذين بهم مَسٌّ من الجنون، ومنهم الأحمدية (٦) أتباع الشيخ أحمد الرفاعي، والقلندرية (٧) وشيخها جمال الدين محمد الساوجي فقد ذكر تُرَّهَاتهِ وانغشاشَ الناس به وبحاله الشيطاني (٨)، ووصف بعض أحوالهم في ترجمة يوسف القميني "ت ٦٥٧ هـ " فقال: "وكان يأوي إلى قمين حمام نور الدين ولما توفي شَيَّعَهُ خَلْقٌ لا يحصون من العامة، وقد بصرنا الله تعالى وله الحمد وعرّفنا هذا النموذج … فقد عَمَّ البلاء في الخَلْقِ بهذا الضرب … ومن هذه الأحوال الشيطانية التي تضل العامة: أكل الحيات ودخول النار، والمشي في الهواء ممن يتعانى المعاصي ويخل بالواجبات … وقد يجيء الجاهل فيقول: اسكت لا تتكلم في أولياء الله، ولم يشعر أنه هو الذي تكلم في أولياء الله وأهانهم إذ


(١) تفسير للحديث الشريف: "يبعث الله من يجدد .. الحديث"، وقد فسر الذهبي "من" لصيغة الجمع. انظر السبكي: طبقات، ج ٣ ص ٢٦.
(٢) الورقة ١٢٦ (أيا صوفيا ٣٠١٢).
(٣) تاريخ الإسلام ١٠/ ١٠٠ من طبعتنا.
(٤) انظر مثلًا: ٧/ ٣٩ - ٤٠ و ٨٥.
(٥) مثلًا: ٧/ ٦٧ - ٦٨ و ١٠٢ و ٧٣٣ - ٧٣٤.
(٦) معجم الشيوخ، م ١ الورقة ٤٠.
(٧) القلندرية: المحلقون أي: الذين يحلقون رؤوسهم ولحاهم.
(٨) الورقة ١٠٤ (أيا صوفيا ٣٠١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>