للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أدخل فيهم هؤلاء الأوباش المجانين أولياء الشياطين" (١).

ولم يكن الذهبي متعصبًا للحنابلة بالمعنى الذي صوّره السبكي فالرجل كان محدثًا يحب أهل الحديث ويحترمهم، إلا أن هذا لم يمنعه من تناول مساوئ بعضهم فقد نقل عن الإمام ابن خزيمة في ترجمة الطبري المؤرخ قوله: "ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة ثم قال الذهبي معقبًا وناقلا عن أبي محمد الفرغاني: "كان محمد بن جرير ممن لا تأخذه في الله لومة لائم مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات من جاهل وحاسد وملحد" (٢). وقال في ترجمة عبد الساتر بن عبد الحميد تقي الدين الحنبلي المتوفى سنة ٦٧٩ هـ: "ومهر في المذهب … وقَلَّ مَنْ سمع منه لأنه كان فيه زعارة، وكان فيه غلو في السُّنة، ومنابذة للمتكلمين ومبالغة في اتباع النصوص … وهو فكان حنبليًا خشنًا متحرقًا على الأشعري … كثير الدعاوى قليل العلم" (٣).

ومع ما كان للذهبيِّ من إعجاب بشيخه ابن تيمية فإنه أخذ عليه "تغليظه وفظاظته وفجاجة عبارته وتوبيخه الأليم المبكي المنكي المثير النفوس" (٤)، كما أخذ عليه: "الكبر والعجب وفرط الغرام في رياسة المشيخة والإزراء بالكبار" (٥) وقد رأى في بعض فتاويه انفرادًا عن الأمة، قال: "وقد انفرد بفتاوى نِيلَ من عِرْضِه لأجلها، وهي مغمورةٌ في بحرِ علمه - فالله تعالى يسامحه ويرضى عنه - فما رأيتُ مثله وكل أحد من الأمة فيؤخذ من قوله ويترك فكان ماذا؟ " (٦).

وقد بلغ حرص الذهبي في النقد وشدة تحريه أنه تكلم في ابنه أبي هريرة عبد الرحمن فقال: "إنه حفظ القرآن ثم تشاغل عنه حتى نسيه" (٧).

ولست هنا في حال دفاع عن الرجل فكتابه خير مدافع عنه وهو الحكم في تقويمه، ولكنني أقول: إن تحقيق كثير من الإنصاف، وإن لم يكن كله، أمرٌ له قيمته العظمى في كل عصر.


(١) تاريخ الإسلام ١٤/ ٨٧٠ من طبعتنا.
(٢) نفسه ٧/ ١٦٢.
(٣) الورقة ٦٦ (أيا صوفيا ٣٠١٤).
(٤) الورقة ٣٣٢ من النسخة السابقة.
(٥) بيان زغل العلم، ص ١٧ - ١٨.
(٦) تذكرة الحفاظ، ج ٤ ص ١٤٩٧.
(٧) السخاوي: الإعلان، ص ٤٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>