فألحق برجل منهم فأرميه وهو على راحلة رحله، فيقع سهمي في الرحل حتى انتظمت كتفه، فقلت: خذها وأنا ابن الأكوع.
وكنت إذا تضايقت الثنايا علوت الجبل فردأتهم بالحجارة، فما زال ذلك شأني وشأنهم أتبعهم فأرتجز، حتى ما خلق الله شيئا من سرح النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا خلفته ورائي واستنقذته من أيديهم. ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا وأكثر من ثلاثين بردة يستخفون منها، ولا يلقون من ذلك شيئا إلا جعلت عليه حجارة وجمعته على طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا مد الضحاء أتاهم عيينة بن بدر الفزاري مددا لهم، وهم في ثنية ضيقة. ثم علوت الجبل، فقال عيينة: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح، ما فارقنا بسحر حتى الآن، وأخذ كل شيء كان في أيدينا وجعله وراء ظهره. فقال عيينة: لولا أن هذا يرى أن وراءه مددا لقد ترككم، ليقم إليه نفر منكم. فقام إلي أربعة فصعدوا في الجبل. فلما أسمعتهم الصوت قلت: أتعرفوني؟ قالوا: ومن أنت؟ قلت: أنا ابن الأكوع، والذي كرم وجه محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يطلبني رجل منكم فيدركني ولا أطلبه فيفوتني.
قال رجل منهم: إني أظن - يعني كما قال - فما برحت مقعدي ذلك حتى نظرت إلى فوارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخللون الشجر، وإذا أولهم الأخرم الأسدي، وعلى إثره أبو قتادة، وعلى إثره المقداد. فولى المشركون. فأنزل من الجبل فأعترض الأخرم فآخذ عنان فرسه فقلت: يا أخرم انذر القوم - يعني احذرهم - فإني لا آمن أن يقطعوك، فاتئد حتى يلحق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فقال: إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تحل بيني وبين الشهادة، قال: فخليت عنان فرسه فيلحق بعبد الرحمن ابن عيينة وطعنه عبد الرحمن فقتله. وتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم فيلحق أبو قتادة