وقع الاختيار على هذه البقعة، وسأل راهباً هناك عن أمر الأرض وصحتها وقال: هل تجدون في كتبكم أنه يبنى ها هنا مدينة؟ قال: نعم يبنيها مقلاص، قال: فأنا كنت أدعى بذلك، وكذلك لما بنى مدينة الرافقة قال له راهب: إن إنساناً يبني هنا مدينة يقال له مقلاص، قال: أنا هو، فبناها على نحو من بغداد، لكنها أصغر.
وعن سليمان بن مجالد قال: أحضر المنصور الصناع والفعلة من البلاد، وأحضر المهندسين، والحكماء والعلماء، وكان ممن أحضر حجاج بن أرطاة، وأبو حنيفة، ورسمت له بالرماد، بسورها، وأبوابها، وأسواقها، ثم أمر أن يعمل على ذلك الرسم.
وروي من وجه آخر أن المنصور قال لذلك الراهب: أريد أن أبني هنا مدينة، فقال: إنما يبنيها ملك يقال له: أبو الدوانيق، فضحك وقال: أنا هو، واختطها، ووكل بها أربعة قواد، وولى أبا حنيفة القيام بعمل الآجر.
وقيل: كمل سورها في أربع سنين. وكانت البقعة مزرعة تدعى المباركة، لستين نفساً، فعوضهم المنصور وأعطاهم فأرضاهم، وجدوا في البناء بعد انقضاء فتنة ابن حسن.
وقيل: ليس في الدنيا مدينة مدورة سواها، عمل في وسطها دار المملكة بحيث إنه إذا كان في قصره كان جميع أطراف البلد إليه سواء، وقد تم بناؤها المهم في عام، وسكنها ونقل إليها خزائنه وبيوت المال.
وقيل: سعتها مائة وثلاثون جريباً، أنفق عليها ثمانية عشر ألف ألف درهم.
قال بدر المعتضدي: قال لنا أمير المؤمنين: انظروا كم سعة مدينة المنصور، فحسبنا فإذا هي ميلين مكسرين في ميلين.
وقيل: مسافة ما بين كل باب وباب ألف ومائتا ذراع.
وكان في هذا الوقت رخاء الأسعار بالعراق حتى أبيع الكبش بدرهم والحمل بأربعة دوانيق، والتمر ستون رطلاً بدرهم، والزيت ستة عشر رطلاً بدرهم، والسمن ثمانية بدرهم.