ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل بعضها على إثر بعض، وقسم الخيل شطرين، فبعث الزبير في خيل عظيمة. فلما مروا بأبي سفيان قال للعباس: من هذا؟ قال: الزبير.
وردفه خالد بن الوليد بالجيش من أسلم وغفار وقضاعة. فقال أبو سفيان: أهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس؟ قال: لا، ولكن هذا خالد بن الوليد.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة بين يديه في كتيبة الأنصار، فقال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة!
ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة الإيمان من المهاجرين والأنصار.
فلما رأى أبو سفيان وجوها كثيرة لا يعرفها قال: يا رسول الله، اخترت هذه الوجوه على قومك؟ قال: أنت فعلت ذلك وقومك. إن هؤلاء صدقوني إذ كذبتموني، ونصروني إذ أخرجتموني.
ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ الأقرع بن حابس، وعباس بن مرادس، وعيينة بن بدر. فلما أبصرهم حول النبي صلى الله عليه وسلم قال: من هؤلاء يا عباس؟ قال: هذه كتيبة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع هذه الموت الأحمر، هؤلاء المهاجرون والأنصار. قال: امض يا عباس، فلم أر كاليوم جنودا قط ولا جماعة.
وسار الزبير بالناس حتى إذا وقف بالحجون، واندفع خالد حتى دخل من أسفل مكة. فلقيته بنو بكر فقاتلهم فهزمهم، وقتل منهم قريبا من عشرين، ومن هذيل ثلاثة أو أربعة، وهزموا وقتلوا بالحزورة، حتى دخلوا الدور، وارتفعت طائفة منهم على الجبل على الخندمة، واتبعهم المسلمون بالسيوف.
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخريات الناس، ونادى مناد: من أغلق عليه داره، وكف يده - فإنه آمن. وكان النبي صلى الله عليه وسلم نازلا بذي طوى، فقال: كيف قال حسان؟ فقال رجل من أصحابه: قال: عدمت بنيتي إن لم تروها تثير النقع من كنفي كداء فأمرهم فأدخلوا الخيل من حيث قال حسان، فأدخلت من ذي طوى من أسفل مكة، واستحر القتل ببني بكر. فأحل الله له مكة ساعة من نهار، وذلك قوله تعالى: لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحلت الحرمة لأحد قبلي ولا بعدي، ولا أحلت لي إلا ساعة من نهار.