عيسى بن عمر، وأخذ عن: يونس بن حبيب، وأبي الخطاب الأخفش الكبير، وصحب الخليل بن أحمد مدة، ووفد إلى بغداد على يحيى البرمكي، فجمع بينه وبين الكسائي للمناظرة بحضور سعيد بن مسعدة الأخفش، والفراء، والأحمر.
وجرى ذاك البحث المشهور في مسألة الزنبور، وتعصبوا للكسائي دونه، ثم وصله يحيى بن خالد بعشرة آلاف درهم، فخرج إلى بلاد فارس فتوفي بشيراز، وقيل بساوة، وكان قد سأل عمن يرغب في النحو، فقيل له طلحة بن طاهر بن الحسين الخزاعي الأمير فقصده.
ويقال: كان في لسان سيبويه حبسة، وفي قلمه انطلاق وبراعة.
قال إبراهيم الحربي: سمي سيبويه؛ لأن وجنتيه كانتا كالتفاحتين، وكان بديع الجمال، وقيل: هو لقب بالفارسية معناه: رائحة التفاح.
قال أبو زيد الأنصاري: كان سيبويه يأتي مجلسي وله ذؤابتان فإذا قال: حدثني من أثق بعربيته، فإنما يعنيني.
قال إبراهيم الحربي: سمعت ابن عائشة يقول: كنا نجلس مع سيبويه في المسجد، وكان شابا جميلا نظيفا قد تعلق من كل علم بسبب، وضرب بسهم في كل أدب، مع حداثة سنه، فهبت الريح مرة، فقال لبعض الجماعة: انظر أي ريح هذه، وكان على المنارة تمثال فرس نحاس، فنظر ثم عاد فقال: ما تثبت الفرس على شيء، فقال سيبويه: العرب تقول في مثل هذه الريح: قد تذاءبت الريح، أي: فعلت فعل الذئب يجيء من ها هنا، وها هنا ليختل فيظن الناظر أنه عدة ذئاب.
ويقال: إن سيبويه لما احتضر وضع رأسه في حجر أخيه، فأغمي عليه، فدمعت عين أخيه، فأفاق فرآه يبكي فقال:
أخيين كنا فرق الدهر بيننا إلى الغاية القصوى فمن يأمن الدهرا؟
عن الأصمعي قال: قرأت على قبر سيبويه بشيراز هذه الأبيات، وهي لسليمان بن يزيد العدوي:
ذهب الأحبة بعد طول تزاور ونأى المزار فأسلموك، وأقشعوا تركوك أوحش ما تكون بقفرة لم يؤنسوك، وكربة لم يدفعوا