للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فحسده أبو جهل على مقالته. وأبى الله إلا أن ينفذ أمره. وعتبة يومئذ سيد المشركين.

فعمد أبو جهل إلى ابن الحضرمي - وهو أخو المقتول - فقال: هذا عتبة يخذل بين الناس، وقد تحمل بدية أخيك، يزعم أنك قابلها. أفلا تستحيون من ذلك أن تقبلوا الدية؟ وقال لقريش: إن عتبة قد علم أنكم ظاهرون على هذا الرجل ومن معه، وفيهم ابنه وبنو عمه، وهو يكره صلاحكم. وقال لعتبة: انتفخ سحرك (١). وأمر النساء أن يعولن عمرا، فقمن يصحن: واعمراه وا عمراه؛ تحريضا على القتال (٢).

وقام رجل فتكشفوا؛ يعيرون بذلك قريشا. فأخذت قريش مصافها للقتال. فذكر الحديث إلى أن قال: فأسر نفر ممن أوصى بهم رسول الله أن لا يقتلوهم إلا أبا البختري، فإنه أبى أن يستأسر، فذكروا له أن رسول الله قد أمرهم أن لا يقتلوه إن استأسر، فأبى. ويزعم ناس أن أبا اليسر قتل أبا البختري. ويأبى عظم الناس إلا أن المجذر هو الذي قتله. بل قتله أبو داود المازني.

قال: ووجد ابن مسعود أبا جهل مصروعا، بينه وبين المعركة غير كثير، مقنعا في الحديد واضعا سيفه على فخذيه ليس به جرح، ولا يستطيع أن يحرك منه عضوا، وهو منكب ينظر إلى الأرض. فلما رآه ابن مسعود أطاف حوله ليقتله وهو خائف أن يثور إليه، وأبو جهل مقنع بالحديد، فلما أبصره لا يتحرك ظن أنه مثبت جراحا، فأراد أن يضربه بسيفه، فخشي أن لا يغني سيفه شيئا، فأتاه من ورائه، فتناول قائم سيفه فاستله وهو منكب، فرفع عبد الله سابغة البيضة عن قفاه فضربه، فوقع رأسه بين يديه ثم سلبه. فلما نظر إليه إذا هو ليس به جراح، وأبصر في عنقه خدرا (٣)، وفي يديه


(١) السَّحْر: الرئة، ويقال للجبان الذي ملأ الخوفُ جوفه: انتفخ سحرك.
(٢) قارن سيرة ابن هشام ١/ ٦٢٢ - ٦٢٤.
(٣) جَوّد البشتكي وغيره ضبطها بالخاء المعجمة.