عبيدا، ولحق محمدا بقرب عسفان، فانتهب جميع ما معه حتى بقي في وسطه سروايل، وهم بقتله، ثم رحمه وطرح عليه ثوبا وعمامة، وأعطاه دريهمات. فمضى وتوصل إلى بلاد جهينة على الساحل، فأقام هناك أشهرا يجمع الجموع، فكان بينه وبين والي المدينة هارون بن المسيب وقعات عند الشجرة وغيرها، فهزم محمد، وفقئت عينه بسهم، وقتل خلق من أصحابه، ورد إلى موضعه. ثم طلب الأمان من الجلودي، ومن ابن عم الفضل بن سهل رجاء، ورد إلى مكة في آخر السنة، فصعد عيسى بن يزيد الجلودي المنبر بمكة، وصعد دونه محمد بن جعفر، عليه قباء أسود؛ فخلع نفسه، واعتذر عن خروجه بأنه بلغه موت المأمون، وقد صح عنده الآن أنه حي، وخلع نفسه، واستغفر من فعله، ثم خرج به عيسى الجلودي إلى العراق، واستخلف على مكة ابنه محمد بن عيسى، فبعث الحسن بن سهل بمحمد إلى المأمون.
وأقام الحج أبو إسحاق المعتصم ابن الرشيد.
وأما هرثمة، فلما فرغ من حرب أبي السرايا سار نحو خراسان، فأتته الكتب من المأمون أن يرجع فيلي الشام أو الحجاز، فقال: لا أرجع حتى آتي أمير المؤمنين، إدلالا منه عليه، وليشافهه بمصالح، وليؤذي الفضل بن سهل بأنه ليس بناصح له. ففهم الفضل مراده، فقال للمأمون: إن هرثمة قد ظاهر عليك عدوك، وعادى وليك، وخالف كتبك، وإن خليته كان ذلك مفسدة لغيره. فتوحش عليه، وأبطأ هرثمة، ثم قدم في أواخر السنة، فقال له المأمون: مالأت علينا العلويين، وداهنت، وحسنت في السر لأبي السرايا الخروج. فذهب هرثمة ليتكلم ويدفع عن نفسه، فلم يقبل ذاك منه، وأمر به، فوجئ على أنفه، وديس بطنه، وسحب وحبس، ودس الفضل إلى الأعوان الغلظة عليه، ثم قتلوه، وقيل: مات.
وفيها هاج الجند ببغداد، لكون الحسن بن سهل لم ينصفهم في العطاء، وبقيت الفتنة أياما.
وفيها وجه المأمون رجاء بن أبي الضحاك، وهو الذي قدم عليه محمد بن جعفر ومعه فرناس الخادم، لإشخاص علي بن موسى الرضا.
وفيها أحصي ولد العباس، فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفا ما بين ذكر وأنثى.