للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكيفية أخذ أقوالهم (١). وأورد في مقدمة "الميزان" عبارات الجرح والتعديل من أعلى مراتبها إلى أدناها وبَيَّنَ مدلولاتها في النقد (٢). وهو في كتبه يشرح بعض هذه الأصول، من ذلك مثلًا ما ذكره في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي، قال: "شيعيٌّ جَلْدٌ، لكنه صَدوقٌ، فلنا صِدْقُه وعليه بدعته. وقد وَثَّقَهُ أحمد بن حنبل، وابنُ معين، وأبو حاتم، وأورده ابن عدي، وقال: كان غاليًا في التشيع. وقال السعدي: زائغ مجاهر. فلقائلٍ أنْ يقولَ: كيف ساغ توثيقُ مبتدعٍ وحَدُّ الثقةِ العدالةُ والإتقان؟ فكيف يكون عدلًا مَنْ هو صاحب بدعة؟ وجوابه أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كَغُلُوِّ التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرق (٣)، فهذا كثيرٌ في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، فلو رُدَّ حديثُ هؤلاء لذهب جملةٌ من الآثار النبوية، وهذه مَفْسَدةٌ بينةٌ. ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر ، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوعُ لا يُحْتَجُّ بهم ولا كرامة .. ولم يكن أبان ابن تغلب يَعْرضُ للشيخين أصلًا، بل قد يعتقد عليًا أفضل منهما" (٤). وقال في ترجمة أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني: "أحَدُ الأعلامِ صَدوقٌ، تُكُلِّمَ فيه بلا حجةٍ، ولكن هذه عقوبةٌ من الله لكلامه في ابن مندة بهوى، قال الخطيب: "رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها، منها أنه يطلق في الإجازة أخبرنا ولا يبين. قلت (يعني الذهبي): هذا مذهبٌ رآه أبو نعيم وغيره، وهو ضربٌ من التدليس. وكلام ابن مندة في أبي نعيم فظيع، لا أُحبُّ حكايته، ولا أقبلُ قولَ كُلٍّ منهما في الآخر، لا أعلم لهما ذنبًا أكثر من روايتهما الموضوعات ساكتين عنها … قلتُ: كلامُ الأقران بعضهم في بعض لا يُعْبَأُ به، لاسيما إذا لاحَ لكَ أنه لعداوةٍ أو لمذهبٍ أو لحسد، ما ينجو منه إلا مَنْ عصم الله، وما علمتُ أن عصرًا من الأعصار سلم أهله من ذلك، سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئتُ لسردتُ من ذلك كراريسَ، اللهم فلا تجعلْ في قلوبنا غلًا للذين


(١) نسخة أيا صوفيا رقم ٢٩٥٣، ونشرها صديقنا العلامة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وطبعت أربع طبعات.
(٢) ميزان الاعتدال، ج ١ ص ٣ - ٤.
(٣) لعل هذا هو الأصوب في قراءتها، وفي الأصل: "تحرف" بالفاء.
(٤) ميزان الاعتدال، ج ١ ص ٥ - ٦ وانظر أمثلة أخرى في معجم الشيوخ م ١ الورقة ٢٥٦، م ٢ الورقة ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>