للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم" (١).

ولم يكن الذهبي ليصدر اتباعًا لآراء الآخرين في النقد فهو يخالفهم في بعض الأحيان حين لا يجد لآرائهم من سندٍ قوي يؤيدها، فمن ذلك - مثلًا - ما جاء في ترجمة زيد بن وهب الجهني، أحد التابعين، وهو الذي تكلم فيه أبو يعقوب الفسوي في "تاريخه" وذكر أن في حديثه خللًا كبيرًا، فقال: "ولا عبرةَ بكلام الفسويِّ" (٢) وأورد في "ميزان الاعتدال" مآخذَ الفسوي عليه ورَدَّ عليها ثم قال: "فهذا الذي استنكره الفسويُّ من حديثه ما سُبق إليه، ولو فتحنا هذه الوساوس علينا لرددنا كثيرًا من السنن الثابتة بالوهم الفاسد" (٣) والميزان مليءٌ بمثل هذه النقدات لا مجال لتكثيرِ الأمثلةِ منها.

ولم يقتصر نقد الذهبي على الرجال حسب، بل تَعَدَّى ذلك إلى نقدِ الموارد التي يطالعها أو يختصرها أو يأخذ منها، وهو ما يعرف اليوم بنقد المصادر؛ من ذلك مثلًا نقده لكتاب "الضعفاء" لابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ هـ الذي اختصره وذَيَّلَ عليه، فقال في ترجمة أبان بن يزيد العطار: "قد أورده أيضًا العلامة ابن الجوزي في الضعفاء ولم يذكر فيه أقوال مَنْ وثقه. وهذا من عيوبِ كتابهِ يسردُ الجرحَ ويسكتُ عن التوثيق" (٤). وقال في ترجمة حفص بن بغيل من الميزان: "قال ابن القطان: لا يعرف له حال ولا يعرف. قلت: لم أذكر هذا النوع في كتابي هذا؛ فإن ابن القطان يتكلم في كل مَنْ لم يقل فيه إمامٌ عاصَرَ ذاك الرجلَ أو أخذ عمن عاصره مما يدلُّ على عدالته. وهذا شيء كثير، ففي الصحيحين من هذا النمط خَلْقٌ كثير مستورون، ما ضَعَّفَهُمْ أحدٌ ولا هُمْ بمجاهيل" (٥). وانتقد الذهبيُّ كتاب "الضعفاء" لأبي جعفر بن عمرو العقيلي المتوفى سنة ٣٢٢ هـ لإيرادِه بعضَ الثقاتِ ومنهم حافظ عصره


(١) نفسه، ج ١ ص ١١١ وانظر تاريخ الإسلام، الورقة ٢٣٤ (أيا صوفيا ٣٠٠٨).
(٢) الذهبي: تذكرة، ج ١ ص ٦٧.
(٣) الذهبي: ميزان الاعتدال، ج ٢ ص ١٠٧ وانظر: تاريخ الإسلام، الورقة ٤٨٥ (أيا صوفيا ٣٠٠٩).
(٤) المصدر نفسه، ج ١ ص ١٦. وقد تكلم في هذه المسألة ابن حجر في اللسان فراجعه هناك تجد فائدة.
(٥) ميزان الاعتدال، ج ١ ص ٥٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>