فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد القوم، فكره المسلمون مسيرهم لشوكة القوم، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون، وبينهم وبين الماء رملة دعصة، فأصاب المسلمين ضعف شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم القنط يوسوسهم: تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم كذا. فأنزل الله عليهم مطرا شديدا، فشرب المسلمون وتطهروا. فأذهب الله عنهم رجز الشيطان. وصار الرمل - يعني ملبدا - وأمدهم الله بألف من الملائكة. وجاء إبليس في جند من الشياطين، معه رايته في صورة رجال بني مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال للمشركين: لا غالب لكم اليوم من الناس، وإني جار لكم فلما اصطف القوم قال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره.
ورفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده فقال: يا رب إنك إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا. فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب. فأخذ قبضة من التراب فرمى بها في وجوههم. فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه، فولوا مدبرين. وأقبل جبريل إلى إبليس، فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين نزع يده وولى مدبرا وشيعته. فقال الرجل: يا سراقة، أما زعمت أنك لنا جار؟ قال: إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله.
وقال يوسف بن الماجشون، أخبرنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن جده، قال: إني لواقف يوم بدر في الصف، فنظرت عن يميني وشمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما. فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما. فغمزني أحدهما فقال: يا عم أتعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، وما حاجتك إليه؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي نفسي بيده إن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. فتعجبت لذلك. فغمزني الآخر فقال لي مثلها. فلم