فقلت له: كفرت. فقال الرسول الذي كان يحضر من قبل إسحاق بن إبراهيم: إن هذا رسول أمير المؤمنين. فقلت له: إن هذا قد كفر، فلما كان في الليلة الرابعة وجه، يعني المعتصم ببغا الذي كان يقال له الكبير، إلى إسحاق، فأمره بحملي إليه. فأدخلت على إسحاق فقال: يا أحمد، إنها والله نفسك، إنه لا يقتلك بالسيف. إنه قد آلى إن لم تجبه أن يضربك ضربا بعد ضرب، وأن يقتلك في موضع لا يرى فيه شمس ولا قمر. أليس قد قال الله عز وجل:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}[الزخرف ٣]، أفيكون مجعولا إلا مخلوقا؟ فقلت: قد قال الله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}[الفيل] أفخلقهم؟ قال: فسكت فلما صرنا إلى الموضع المعروف بباب البستان أخرجت وجيء بدابة، فحملت عليها وعلي الأقياد، ما معي أحد يمسكني. فكدت غير مرة أن أخر على وجهي لثقل القيود فجيء بي إلى دار المعتصم، فأدخلت حجرة، وأدخلت إلى بيت، وأقفل الباب علي، وذلك في جوف الليل، وليس في البيت سراج. فأردت أن أتمسح للصلاة، فمددت يدي، فإذا أنا بإناء فيه ماء وطست موضوع، فتوضأت وصليت. فلما كان من الغد أخرجت تكتي من سراويلي، وشددت بها الأقياد أحملها، وعطفت سراويلي. فجاء رسول المعتصم فقال: أجب. فأخذ بيدي وأدخلني عليه، والتكة في يدي أحمل بها الأقياد. وإذا هو جالس، وابن أبي دؤاد حاضر، وقد جمع خلقا كثيرا من أصحابه، فقال لي، يعني المعتصم: ادنه، ادنه. فلم يزل يدنيني حتى قربت منه، ثم قال لي: اجلس. فجلست وقد أثقلتني الأقياد، فمكثت قليلا ثم قلت: أتأذن لي في الكلام؟ فقال: تكلم. فقلت: إلى ما دعا الله ورسوله؟ فسكت هنية ثم قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله. فقلت: فأنا أشهد أن لا إله إلا الله. ثم قلت: إن جدك ابن عباس يقول: لما قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الإيمان فقال: أتدرون ما الإيمان؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وأن تعطوا الخمس من المغنم. قال أبي: قال - يعني المعتصم - لولا أني وجدتك في يد من كان قبلي ما عرضت لك. ثم قال: يا عبد الرحمن بن إسحاق، ألم آمرك برفع