للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال محمد بن إبراهيم البوشنجي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: تبينت الإجابة في دعوتين: دعوت الله أن لا يجمع بيني وبين المأمون، ودعوته أن لا أرى المتوكل. فلم أر المأمون، مات بالبذندون وهو نهر الروم، وأحمد محبوس بالرقة حتى بويع المعتصم بالروم، ورجع فرد أحمد إلى بغداد. وأما المتوكل فإنه لما أحضر أحمد دار الخلافة ليحدث ولده، قعد له المتوكل في خوخة حتى نظر إلى أحمد، ولم يره أحمد.

قال صالح: لما صدر أبي ومحمد بن نوح إلى طرسوس ردا في أقيادهما، فلما صارا إلى الرقة حملا في سفينة، فلما وصلا إلى عانات توفي محمد، فأطلق عنه قيده، وصلى عليه أبي.

وقال حنبل: قال أبو عبد الله: ما رأيت أحدا على حداثة سنه وقدر علمه أقوم بأمر الله من محمد بن نوح. وإني لأرجو أن يكون قد ختم له بخير. قال لي ذات يوم: يا أبا عبد الله، الله، الله، إنك لست مثلي، أنت رجل يقتدى بك، قد مد الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك. فاتق الله واثبت لأمر الله. أو نحو هذا. فمات وصليت عليه ودفنته. أظنه قال: بعانة.

قال صالح: وصار أبي إلى بغداد مقيدا، فمكث بالياسرية أياما، ثم حبس في دار اكتريت له عند دار عمارة، ثم نقل بعد ذلك إلى حبس العامة في درب الموصلية، فقال أبي: كنت أصلي بأهل السجن وأنا مقيد. فلما كان في رمضان سنة تسع عشرة حولت إلى دار إسحاق بن إبراهيم.

وأما حنبل بن إسحاق فقال: حبس أبو عبد الله في دار عمارة ببغداد في إسطبل لمحمد بن إبراهيم أخي إسحاق بن إبراهيم، وكان في حبس ضيق؛ ومرض في رمضان، فحبس في ذلك الحبس قليلا، ثم حول إلى سجن العامة، فمكث في السجن نحوا من ثلاثين شهرا، فكنا نأتيه. وقرأ علي كتاب الإرجاء وغيره في الحبس، ورأيته يصلي بأهل الحبس وعليه القيد، فكان يخرج رجله من حلقة القيد وقت الصلاة والنوم.

رجعنا إلى ما حكاه صالح بن أحمد، عن أبيه، فكان يوجه إلي كل يوم برجلين، أحدهما يقال له: أحمد بن رباح، والآخر أبو شعيب الحجام، فلا يزالان يناظراني حتى إذا أرادا الانصراف دعي بقيد، فزيد في قيودي. قال: فصار في رجله أربعة أقياد. قال أبي: فلما كان اليوم الثالث دخل علي أحد الرجلين فناظرني، فقلت له: ما تقول في علم الله؟ قال: علم الله مخلوق.

<<  <  ج: ص:  >  >>