للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ساعات، إذ أقبل باغر ومعه عشرة متلثمين تبرق أسيافهم فهجموا علينا، وقصدوا المتوكل. وصعد باغر وآخر إلى السرير، فصاح الفتح: ويلكم مولاكم. وتهارب الغلمان والجلساء والندماء على وجوههم، وبقي الفتح وحده، فما رأيت أقوى نفسا منه بقي يمانعهم، فسمعت صيحة المتوكل وقد ضربه باغر بالسيف المذكور على عاتقه، فقده إلى خاصرته، وبعج الفتح آخر بالسيف، فأخرجه من ظهره، وهو صابر لا يزول، ثم طرح نفسه على المتوكل، فماتا فلفا في بساط، وبقيا في تلك الليلة وعامة النهار، ثم دفنا معا.

وكان بغا الصغير قد استوحش من المتوكل لكلام لحقه منه. وكان المنتصر يتآلف الأتراك لا سيما من يبعده أبوه.

قال المسعودي: ونقل في قتلته غير ما ذكرنا. قال: وأنفق المتوكل - فيما قيل - على الهاروني والجوسق والجعفري أكثر من مائتي ألف ألف درهم. ويقال: إنه كان له أربعة آلاف سرية وطئ الجميع؛ ومات وفي بيت المال أربعة آلاف ألف دينار، وسبعة آلاف درهم. ولا يعلم أحد متقدم في جد أو هزل إلا وقد حظي بدولته، ووصل إليه نصيب وافر من المال.

ذكر محمد بن أبي عون قال: حضرت مجلس المتوكل وعنده محمد بن عبد الله بن طاهر، فغمز المتوكل مملوكا مليحا أن يسقي الحسين بن الضحاك الخليع كأسا ويحييه بتفاحة عنبر. ففعل، فأنشأ الخليع يقول:

وكالدرة البيضاء حيا بعنبر من الورد يسعى في قراطق كالورد له عبثات عند كل تحية بعينيه تستدعي الخلي إلى الوجد تمنيت أن أسقى بكفيه شربة تذكرني ما قد نسيت من العهد سقى الله دهرا لم أبت فيه ساعة من الدهر إلا من حبيب على وعد فقال المتوكل: أحسنت والله؛ يعطى لكل بيت ألف دينار.

ولما قتل رثته الشعراء، فمن ذلك قول يزيد المهلبي:

جاءت منيته والعين هاجعة هلا أتته المنايا والقنا قصد خليفة لم ينل ما ناله أحد ولم يصغ مثله روح ولا جسد

<<  <  ج: ص:  >  >>