فأخبر به أبا طالب، فقال أبو طالب: لا والثّواقب ما كذبني، فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطّلب، حتى أتى المسجد وهو حافل من قريش، فأنكروا ذلك، فقال أبو طالب: قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم، فائتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها، فلعلّه أن يكون بيننا وبينكم صلح، فأتوا بها وقالوا: قد آن لكم أن تقبلوا وترجعوا إلى أمر يجمع قومكم، فإنّما قطع بيننا وبينكم رجل واحد، جعلتموه خطرا للهلكة، قال أبو طالب: إنّما أتيتكم لأعطيكم أمرا لكم فيه نصف، إنّ ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني، أنّ الله بريء من هذه الصحيفة، ومحا كلّ اسم هو له فيها، وترك فيها غدركم وقطيعتكم، فإن كان كما قال، فأفيقوا، فوالله لا نسلمه أبدا حتى نموت من عند آخرنا، وإن كان الذي قال باطلا، دفعناه إليكم، فرضوا وفتحوا الصّحيفة، فلمّا رأتها قريش كالذي قال أبو طالب، قالوا: والله إن كان هذا قطّ إلاّ سحرا من صاحبكم، فارتكسوا وعادوا لكفرهم، فقال بنو عبد المطّلب: إنّ أولى بالكذب والسّحر غيرنا، فكيف ترون، وإنّا نعلم أنّ الذي اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسّحر من أمرنا، ولولا أنّكم اجتمعتم على السّحر لم تفسد الصّحيفة، وهي في أيديكم، أفنحن السّحرة أم أنتم؟ فقال أبو البختري، ومطعم بن عديّ، وزهير بن أبي أميّة بن المغيرة، وزمعة بن الأسود، وهشام بن عمرو، وكانت الصّحيفة عنده، وهو من بني عامر بن لؤيّ، في رجال من أشرافهم: نحن برآء ممّا في هذه الصّحيفة، فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل.
وذكر نحو هذه القصّة ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة.
وذكر ابن إسحاق نحوا من هذا، وقال: حدّثني حسين بن عبد الله أنّ أبا لهب، يعني حين فارق قومه من الشعب، لقي هندا بنت عتبة بن ربيعة، فقال لها: هل نصرت اللّات والعزّى وفارقت من فارقها؟ قالت: نعم فجزاك الله خيرا أبا عتبة.