للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويغلق الباب، ويحدّثني بالحديثين، والثلاثة، والأكثر، فالتزمت ذلك حتّى مات الممتحن له وولي بعده من كان على مذهب السنة، فظهر أحمد وعلت إمامته، وكانت تضرب إليه آباط الإبل، فكان يعرف لي حق صبري، فكنت إذا أتيت حلقته فسح لي، ويقصّ على أصحاب الحديث قصّتي معه، فكان يناولني الحديث مناولةً، ويقرؤه علي وأقرؤه عليه، واعتللت، فعادني في خلق معه. وذكر هذه الحكاية أطول من هذا، نقلها ابن بشكوال في غير الصّلة، وأنا نقلتها من خطّ أبي الوليد بن الحاجّ شيخنا (١).

وقال أيضا: نقلت من خطّ حفيده عبد الرحمن بن أحمد بن بقيّ: حدَّثني أبي قال: أخبرتني أمّي أنها رأت أبي مع رجلٍ طوال جدا، فسألته عنه، فقال: أرجو أن تكوني امرأة صالحة، ذاك الخضر (٢).

وذكر عبد الرحمن عن جدّه أشياء، فالله أعلم، وقال: كان جدّي قد قسّم أيّامه على أعمال البرّ، فكان إذا صلّى الصُّبح قرأ حزبه من القرآن في المصحف سدس القرآن. وكان أيضا يختم القرآن في الصّلاة في كل يوم وليلة، ويخرج كل ليلة في الثلث الأخير إلى مسجده، فيختم قرب انصداع الفجر، وكان يصلّي بعد حزبه من المصحف صلاةً طويلة جدّا، ثمّ ينقلب إلى داره، وقد اجتمع في مسجده الطَّلبة، فيجدد الوضوء ويخرج إليهم، فإذا انقضت الدُّول صار إلى صومعة المسجد، فيصلّي إلى الظهر، ثمّ يكون هو المبتدئ بالأذان ثم يهبط، ثم يسمع إلى العصر ويصلّي ويسمع، وربما خرج في بقيّة النهار، فيقعد بين القبور يبكي ويعتبر، فإذا غربت


(١) قال المصنف في السِّير ١٣/ ٢٩٤: "وهي منكرة، وما وصل ابن مخلد إلى الإمام أحمد إلا بعد الثلاثين ومئتين، وكان قد قطع الحديث من أثناء سنة ثمان وعشرين، وما روى بعد ذلك ولا حديثًا واحدًا الي أن مات. ولما زالت المحنة سنة اثنتين وثلاثين، وهلك الواثق واستخلف المتوكل وأمر المحدثين بنشر أحاديث الرؤية وغيرها، امتنع الإمام أحمد من التحديث، وصَمَّمَ على ذلك، ما عمل شيئًا غير أنه كان يذاكر بالعلم والأثر وأسماء الرجال والفقه. ثم لو كان بقي سمع منه ثلاث مئة حديث لكان طَرَّز بها مُسنده، وافتخر بالراوية عنه، فعندي مُجلدان من مسنده، وما فيها عن أحمد كلمة".
(٢) وذكر المصنف في "السير" أن هذه أنكر من سابقتها.