ومعنا البراء بن معرور كبيرنا وسيدّنا، حتى إذا كنّا بظاهر البيداء قال: يا هؤلاء تعلّمون أنّي قد رأيت رأيا، والله ما أدري توافقوني عليه أم لا، فقلنا: وما هو يا أبا بشر؟ قال: إنّي قد أردت أن أصلّي إلى هذه البنيّة ولا أجعلها منّي بظهر، فقلنا: لا والله لا تفعل، والله ما بلغنا أنّ نبيّنا صلى الله عليه وسلم يصلّي إلا إلى الشام، قال: فإنّي والله لمصلّ إليها، فكان إذا حضرت الصّلاة توجّه إلى الكعبة، وتوجّهنا إلى الشام، حتى قدمنا مكة، فقال لي البراء: يا ابن أخي انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسأله عمّا صنعت، فلقد وجدت في نفسي بخلافكم إيّاي، قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقينا رجلا بالأبطح، فقلنا: هل تدلّنا على محمد؟ قال: وهل تعرفانه إن رأيتماه؟ قلنا: لا والله، قال: فهل تعرفان العبّاس؟ فقلنا: نعم، وقد كنّا نعرفه، كان يختلف إلينا بالتجارة، فقال: إذا دخلتما المسجد فانظرا العبّاس، فهو الرجل الذي معه، قال: فدخلنا المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والعبّاس ناحية المسجد جالسين، فسلّمنا، ثم جلسنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تعرف هذين يا أبا الفضل؟ قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيّد قومه، وهذا كعب بن مالك، فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشاعر؟ قال: نعم، فقال له البراء: يا رسول الله إنّي قد كنت رأيت في سفري هذا رأيا، وقد أحببت أن أسألك عنه، قال: وما ذاك؟ قال: رأيت أن لا أجعل هذه البنيّة منّي بظهر فصلّيت إليها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد كنت على قبلة لو صبرت عليها، فرجع إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهله يقولون: قد مات عليها، ونحن أعلم به، قد رجع إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلّى معنا إلى الشام.
ثم واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة، أوسط أيّام التشريق، ونحن سبعون رجلا للبيعة، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر، وإنّه لعلى شركه، فأخذناه فقلنا: يا أبا جابر والله إنّا لنرغب بك أن تموت على ما أنت عليه. فتكون لهذه النّار غدا حطبا، وإنّ الله قد بعث رسولا يأمر بتوحيده وعبادته. وقد أسلم رجال من قومك، وقد واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للبيعة، فأسلم وطهّر ثيابه، وحضرها معنا فكان نقيبا، فلمّا كانت الليلة التي وعدنا فيها رسول الله