للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا قال ابن إسحاق: وقال: لمّا أيقنت قريش أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم قد بويع، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان بمكة من أصحابه أن يلحقوا بإخوانهم بالمدينة، توامروا فيما بينهم فقالوا: الآن، فأجمعوا في أمر محمد فوالله لكأنه قد كرّ عليكم بالرجال، فأثبتوه أو اقتلوه أو أخرجوه.

فاجتمعوا له في دار النّدوة ليقتلوه. فلمّا دخلوا الدّار اعترضهم الشيطان في صورة رجل جميل في بتّ له فقال: أأدخل؟ قالوا: من أنت؟ قال: أنا رجل من أهل نجد، سمع بالذي اجتمعتم له، فأراد أن يحضره معكم، فعسى أن لا يعدمكم منه نصح ورأي، قالوا: أجل فادخل، فلمّا دخل قال بعضهم لبعض: قد كان من الأمر ما قد علمتم، فأجمعوا رأيا في هذا الرجل، فقال قائل: أرى أن تحبسوه، فقال النّجديّ: ما هذا برأي، والله لئن فعلتم ليخرجنّ رأيه وحديثه إلى من وراءه من أصحابه، فأوشك أن ينتزعوه من أيديكم، ثمّ يغلبوكم على ما في أيديكم من أمركم، فقال قائل منهم: بل نخرجه فننفيه، فإذا غيّب عنّا وجهه وحديثه ما نبالي أين وقع، قال النجديّ: ماذا برأي، أما رأيتم حلاوة منطقه، وحسن حديثه، وغلبته على من يلقاه، ولئن فعلتم ذلك ليدخل على قبيلة من قبائل العرب فأصفقت معه على رأيه، ثم سار بهم إليكم حتى يطأكم بهم، فقال أبو جهل: والله إنّ لي فيه لرأيا، ما أراكم وقعتم عليه، قالوا: وما هو؟ قال: أرى أن تأخذوا من كلّ قبيلة من قريش غلاما جلدا نهدا نسيبا وسيطا، ثم تعطوهم شفارا صارمة، فيضربوه ضربة رجل واحد، فإذا قتلتموه تفرّق دمه في القبائل، فلم تدر عبد مناف بعد ذلك ما تصنع، ولم يقووا على حرب قومهم، وإنّما غايتهم عند ذلك أن يأخذوا العقل فتدونه لهم، قال النّجديّ: لله درّ هذا الفتى، هذا الرأي وإلاّ فلا شيء، فتفرّقوا على ذلك واجتمعوا له، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر وأمر أن لا ينام على فراشه تلك اللّيلة، فلم يبت موضعه، بل بيّت عليّا في مضجعه. رواه سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي عن أبيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>