وجه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسترته، وأمر الله العنكبوت فنسجت فسترته، وأمر الله حمامتين وحشيّتين فوقعتا بفم الغار، وأقبل فتيان قريش بعصيّهم وسيوفهم، فجاء رجل ثم رجع إلى الباقين فقال: رأيت حمامتين بفم الغار، فعلمت أنّه ليس فيه أحد.
وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: اشترى أبو بكر من عازب رحلا بثلاثة عشر درهما، فقال أبو بكر لعازب: مر البراء فليحمله إلى رحلي، فقال له عازب: لا، حتى تحدثنا كيف صنعت أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجتما، والمشركون يطلبونكما.
قال: أدلجنا من مكة ليلا، فأحيينا ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا، وقام قائم الظّهيرة، فرميت ببصري هل أرى من ظلّ نأوي إليه، فإذا صخرة فانتهيت إليها، فإذا بقية ظلّ لها فسوّيته، ثمّ فرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروة، ثم قلت: اضطجع يا رسول الله، فاضطجع، ثم ذهبت أنفض ما حولي هل أرى من الطّلب أحدا، فإذا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصّخرة، ويريد منها الذي أريد، يعني الظّلّ، فسألته: لمن أنت؟ فقال: لرجل من قريش، فسمّاه فعرفته، فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم، قلت: هل أنت حالب لي؟ قال: نعم، فأمرته، فاعتقل شاة من غنمه، وأمرته أن ينفض ضرعها من التراب، ثم أمرته أن ينفض كفّيه، فقال هكذا، فضرب إحداهما على الأخرى، فحلب لي كثبة من لبن، وقد رويت معي لرسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة، على فمها خرقة، فصببت على اللّبن حتى برد أسفله، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيته وقد استيقظ، فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب حتى رضيت، ثم قلت: قد آن الرحيل، قال: فارتحلنا والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له، فقلت: هذا الطّلب قد لحقنا يا رسول الله، قال: لا تحزن إنّ الله معنا، فلمّا أن دنا منّا، وكان بيننا وبينه قيد رمحين أو ثلاثة قلت: هذا الطّلب قد لحقنا يا رسول الله وبكيت، فقال: ما يبكيك؟ قلت: أما والله ما على نفسي أبكي، ولكنّي إنّما أبكي عليك، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهمّ اكفناه بما