فأقبل أبو بكر حتى ظلّل عليه بردائه، فعرفوا رسول الله عند ذلك، فلبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة.
وأسّس المسجد الذي أسس على التّقوى، فصلّى فيه، ثم ركب راحلته فسار، فمشى معه النّاس، حتى بركت بالمدينة عند مسجده صلى الله عليه وسلم، وهو يصلّي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربدا للتّمر لسهل وسهيل، غلامين يتيمين أخوين في حجر أسعد بن زرارة من بني النّجّار، فقال حين بركت به راحلته: هذا إن شاء الله المنزل. ثمّ دعا الغلامين فساومهما المربد ليتّخذه مسجدا، فقالا: بل نهبه لك، فأبى حتى ابتاعه وبناه.
وقال عبد الوارث بن سعيد وغيره: حدثنا أبو التّيّاح، عن أنس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل في علو المدينة في بني عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثمّ أرسل إلى ملأ بني النّجّار، فجاؤوا متقلّدين سيوفهم، فكأنّي أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ردفه، وملأ بني النّجّار حوله، حتى ألقى بفناء أبي أيّوب. متّفق عليه.
وقال عثمان بن عطاء الخراسانيّ، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عبّاس قال: لمّا دخل النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة مرّ على عبد الله بن أبيّ وهو جالس على ظهر الطّريق، فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر أن يدعوه إلى المنزل، وهو يومئذ سيّد أهل المدينة في أنفسهم، فقال عبد الله: انظر الذين دعوك فأتهم، فعمد إلى سعد بن خيثمة، فنزل عليه في بني عمرو بن عوف ثلاث ليال، واتّخذ مكانه مسجدا فكان يصلّي فيه، ثم بناه بنو عمرو، فهو الذي أسّس على التٌقوى والرّضوان.
ثمّ إنّه ركب يوم الجمعة، فمرّ على بني سالم، فجمّع فيهم، وكانت أول جمعة صلّاها حين قدم المدينة، واستقبل بيت المقدس، فلمّا أبصرته اليهود صلّى قبلتهم طمعوا فيه للّذي يجدونه مكتوبا عندهم، ثم ارتحل فاجتمعت له الأنصار يعظّمون دين الله بذلك، يمشون حول ناقة رسول الله