قال: وتوصل ابن رائق إلى قومٍ من الخدم بأن يقولوا لابن مقلة: إن الخليفة قد صح رأيه على استيزارك، وسيخاطبك على هذا، وبشرناك بهذا لنستحق البشارة عليك. فلم يشك في الأمر وقالوا هم للراضي: جربه وخاطبه بالوزارة لترى ما يجيبك به. فخاطبه بذلك، فأراه أبي نفوراً شديداً من هذا وقصوراً عنه. فأخذ الراضي يحلف له على صحة ما في نفسه من تقليده ولو علم أن فيه بقية لذلك وقياماً به. فقال: يا أمير المؤمنين إذا كان الأمر هكذا فلا يغمك الله بأمر يدي، فإن مثلي لا يراد منه إلا لسانه ورأيه وهما باقيان. وأما الكتابة فلو كنت باطلاً منها لما ضرني ذلك، وكان كاتب ينوب عني. ولست أخلو من القدرة على تعليم العلامات باليسرى. ولو أنها ذهبت اليسرى أيضاً حتى أحتاج أن أشد قلماً على اليمنى لكنت أحسن خطاً. فلما سمع ذلك تعجب واستدعى دواةً فكتب باليسرى خطاً لا يشك أنه خطه القديم، ثم شد على يمينه القلم. فكتب به في غاية الحسن. فقامت قيامة الراضي واشتد خوفه منه. فلما قام إلى محبسه أمر أن تنزع ثيابه عنه: وأن يقطع لسانه ويلبس جبة صوف، ولا يترك معه في الحبس إلا دورق يشرب منه، ووكل به خادماً صبياً أعجمياً، فكان لا يفهم عنه ولا يخدمه. ثم فرق بينه وبين الخادم، وبقي وحده. فكان الخدم يقولون لي بعد ذلك: إنهم كانوا يرونه من شقوق الباب يستقي بفيه ويده الصحيحة من البئر للوضوء والشرب. ثم أمر الراضي أن يقطع عنه الخبز، فقطع عنه أياماً ومات. وكان مولده في سنة اثنتين وسبعين ومائتين.
وقال غيره: استوزره القاهر بالله ثم نكبوه. ثم وزر للراضي بالله قليلاً، ثم مسك سنة أربعٍ وعشرين وضرب وعلق وصودر، وأخذ خطه بألف ألف دينار، ثم تخلص.
ثم إن أبا بكر محمد بن رائق لما استولى على الأمور وعظم عند الراضي احتاط على ضياع ابن مقلة وأملاكه. فأخذ في السعي بابن رائق وألب عليه، وكتب إلى الراضي يشير عليه بإمساكه، وضمن له إن فعل ذلك وقلده الوزارة استخرج له ثلاثة آلاف ألف دينار. وسعى بالرسالة علي بن