يخفرني؟ ارجع وقل له يستأذن. فرجعت فأعلمته، فحرك رأسه، وقال: ويحك يتهمني؟ قل له: والله لا استأذنت لك أبداً، ولا كان هذا الأمر بمعاونتي عليك. فجئت فحدثته، فقام في نفسه أن هذا عصبية من ذكي لابن رائق، وقال: لو عدلنا إلى باب المطبخ. فعدلنا إليه وقال: اصعد واستدع لي فلاناً الخادم. فأتيته، فعدا مسرعاً يستأذن له، فجئته فأخبرته، فقال: ارجع وقف في موضعك لئلا يخرج فلا يجدك. فرجعت فخرج إلي وجاء معي إلى السميرية، وسلم عليه، ولم يقبل يده وقال: قم يا سيدي. فأنكر ذلك ابن مقلة وقال لي سراً: ويحك ما هذا؟ قلت: ما قال لك ذكي. قال: فما نعمل؟ قلت: فات الرأي. فأخذ يكرر الدعاء والاستخارة، وقال: إن طلعت الشمس ولم تروا لي خبراً فانجوا بأنفسكم. قال: ومضى، وغلق الخادم الباب غلقاً استربت منه. ووقفنا إلى أن كادت الشمس أن تطلع، فقلنا: في أي شيء وقوفنا، والله لا خرج الرجل أبداً. فانصرفنا وكان آخر العهد به. فلما بلغنا منازلنا حتى قيل: قد قبض على ابن مقلة، وقطعت يده من يومه بحضرة الملأ من الناس.
وقال إبراهيم بن الحسن الديناري: سمعت الحسين ابن الوزير ابن مقلة يحدث أن الراضي بالله قطع لسان أبيه قبل موته وقتله بالجوع. قال: وكان سبب ذلك أن الراضي تندم على قطع يده، واستدعاه من حبسه واعتذر إليه. وكان بعد ذلك يشاوره في الأمر بعد الأمر، ويعمل برأيه ويخلو به، ورفهه في محبسه، ونادمه سراً على النبيذ، وأنس به ونبل في نفسه، وزاد ندمه على قطع يده. فبلغ ذلك ابن رائق، فقامت قيامته، فدس على الخليفة من أشار عليه بأن لا يدنيه، وقال له: إن الخلفاء كانت إذا غضبت لم ترض، وهذا قد أوحشته فلا تأمنه على نفسك. فقال: هذا محال، فهو قد بطل عن أن يصلح لشيء، وإنما تريدون أن تحرموني الأنس به. فقيل له: ليس الأمر كما يقع لك، وهو لو طمع في أنك تستوزره لكلمك، فإن شئت فأطمعه في الأمر حتى ترى، وقد كان أبي يتعاطى أن يكتب باليسرى، فجاء خطه أحسن من كل خط، لا يكاد أن يفرق من خطه باليمين، وجاءتني رقاعه مرات من الحبس باليسرى، فما أنكرته.