قالت: فلما خرجنا من عنده، قال عمرو بن العاص: والله لآتينه غدا بما أستأصل به خضراءهم. فقال له ابن أبي ربيعة؛ وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل، فإن لهم أرحاما، وإن كانوا قد خالفونا. قال: فوالله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى عبد، قالت: ثم غدا عليه، فقال: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى قولا عظيما. فأرسل إلينا ليسألنا. قالت: ولم ينزل بنا مثلها.
فقال: ما تقولون في عيسى؟ فقال جعفر: نقول فيه الذي جاء به نبينا: عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول.
فضرب النجاشي بيده إلى الأرض، وأخذ منها عودا، وقال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا المقدار.
قال: فتناخرت بطارقته حين قال ما قال، فقال: وإن نخرتم والله. ثم قال لجعفر وأصحابه: اذهبوا آمنين. ما أحب أن لي دبر ذهب، وأني آذيت واحدا منكم - والدبر بلسان الحبشة: الجبل - ردوا عليهما هديتهما، فلا حاجة لنا فيها. فوالله ما أخذ الله في الرشوة فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه.
فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به.
قالت: فوالله إنا لعلى ذلك، إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فوالله ما علمنا حزنا قط أشد من حزن حزناه عند ذلك، تخوفا أن يظهر عليه من لا يعرف حقنا. فسار إليه النجاشي، وبينهما عرض النيل.
فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من يخرج حتى يحضر الوقعة ويخبرنا؟ فقال الزبير بن العوام: أنا أخرج. وكان من أحدث القوم سنا. فنفخوا له قربة فجعلها في صدره، وسبح عليها إلى الناحية التي فيها الوقعة. ودعونا الله للنجاشي. فوالله إنا لعلى ذلك، متوقعون لما هو كائن، إذ طلع علينا الزبير يسعى ويلوح بثوبه. ألا أبشروا، فقد ظهر النجاشي، وأهلك الله