ثم قربا هداياهما إلى النجاشي فقبلها، فكلماه. فقلت بطارقته: صدقا أيها الملك، قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم. فغضب النجاشي، ثم قال: لاها الله أبدا، لا أرسلهم إليهم. قوم جاوروني ونزلوا بلادي، واختاروني على سواي. حتى أدعوهم فأسألهم عما يقولون.
ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلما جاء رسوله اجتمعوا، وقال بعضهم لبعض: ما تقولون إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا الله، وأمرنا به نبينا، كائن في ذلك ما كان. فلما جاؤوه وقد دعا النجاشي أساقفته، ونشروا مصاحفهم حوله؛ سألهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا به في ديني ولا في دين أحد من الملل.
قالت: فكلمه جعفر بن أبي طالب، فقال: أيها الملك: كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء إلى الجار ويأكل القوي منا الضعيف. كنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعا إلى الله لنعبده وحده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. وعد أمور الإسلام. قال: فصدقناه واتبعناه. فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، وآثرناك على من سواك فرغبنا في جوارك: ورجونا أن لا نظلم عندك.
قال: فهل معك شيء مما جاء به عن الله؟ قال جعفر: نعم فقرأ عليه: كهيعص.
قالت: فبكى النجاشي وأساقفته حتى أخضلوا لحاهم، حين سمعوا القرآن.
فقال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكما أبدا.