للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل هذا أنْ يُرتِّبَ التراجمَ حسب السنين؟ ولذلك اخترع "العقد" وسماه "طبقة" بحيث تستوعب السنوات العشر كثيرًا من مثل هذا الاختلاف. ومن أجل أن يقدم للقارئ تسهيلًا فقد ذكر أسماء بعض الأعلام في أول حوادث السنة التي رجح وفاتهم فيها.

وابتداء من سنة ٣٠١ هـ وإلى نهاية الكتاب غَيَّرَ الذهبيُّ تنظيمه مرة أخرى فصار يذكرُ وفيات كُلِّ سنةٍ بصورة مستقلة مرتبًا تراجمَ السنةِ الواحدة على حروف المعجم، وذاكرًا المتوفَّين على التقريب في نهاية كل "طبقة".

ويَحقُّ للباحثِ الذي قرأ ما حَبَّرناه قبلَ قليل أنْ يتساءل: كيف استطاع الذهبيُّ أن ينقل تنظيم كتابه هذه النقلة بين سنة وأخرى؟ وكيف تَمكَّنَ من حل الإشكالات الكثيرة والمصاعب الجمة التي واجهته في ضبط الوفيات والخُلف الذي بينها؟ فنقول عندئذ:

١ - من المعلوم عند أهل العلم بالتاريخ أن التدوين في هذه الحقبة قد ازداد ازديادًا عظيمًا (١)، ولذلك توافرت مادةٌ جيدة في الوفيات، (٢) وقد أشار الذهبيُّ إلى ذلك في مقدمة كتابه فقال بعد الذي ذكره من عدم اعتناء المتقدمين بضبط الوفيات: "ثم اعتنى المتأخرون بضبط وفيات العلماء وغيرهم حتى ضبطوا جماعة فيهم جهالة بالنسبة إلى معرفتنا لهم، فلهذا حفظت وفيات خلق من المجهولين" (٣). وهكذا توافرت للذهبيِّ مادةٌ غنيةٌ ودقيقة نسبيًا من تواريخ


(١) انظر عن انتشار التدوين والصراع الذي جرى قبل هذا بسبب تفضيل الروايات الشفوية والحفظ عليه، والمفاضلة بينه وبين الحفظ: بحث الدكتور صالح العلي "المحاضرات الشفهية" وبحثه الآخر: "مواد الكتابة" وكلاهما مكتوب بالآلة الكاتبة ببغداد سنة ١٩٧٣ م، وبحث الأستاذ كولتسيهر عن "الصراع حول مكانة الحديث عند المسلمين".
Goldziher Kampfe um die Stellung des Hadith im Islam (ZDMG Band ٦ ip. ٨٦٠).
المنشور في مجلة جمعية المستشرقين الألمان (ZDMG) م ٦١ ص ٨٦٠ فما بعد.
(٢) من المناسب أن أُشير هنا إلى أنه بجانب كثير من الكتب المؤلفة في علم الرجال نجد القرن الرابع يشهد التأليف بكتب "الوفيات"؛ فقد ألف كل من عبد الباقي بن قانع البغدادي المتوفى سنة ٣١٥ هـ ومحمد بن عبد الله بن زبر الدمشقي المتوفى سنة ٣٧٩ هـ كتابيهما في "الوفيات"، انظر بحثنا: كتب الوفيات، ص ٢٤٠.
(٣) ١/ ١٠ (من طبعتنا).

<<  <  ج: ص:  >  >>