للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شيئا حتى قرأت عليه نحو مائة حديث، فقال لي: هل تفكرت فيما جرى؟ فقلت: نعم، هو محمد بن أبي حفصة. فتعجب وقال لي: نظرت في حديث سُفيان لأبي عمرو البحيري؟ فقلتُ: لا، وذكرتُ له ما أممتُ في ذلك. فتحير وأثنى علي ثم كنتُ أسأله فقال لي: أنا إذا ذاكرتُ اليوم في باب لا بد من المطالعة لِكِبر سِني. فرأيته في كل ما ألُقي عليه بحرا، وقال لي: اعلم بأن خُراسان وما وراء النهر لكل بلدة تاريخ صنفه عالم منها، ووجدت نيسابور مع كثرة العُلماء بها لم يصنفوا فيه شيئا، فدعاني ذلك إلى أن صنفت تاريخ النيسابوريين (١). فتأملته ولم يسبقه إلى ذلك أحد، وصنف لأبي علي بن سيمجور كتابا في أيام النبي ، وأزواجه، وأحاديثه، وسماه الإكليل. لم أر أحدا رتب ذلك الترتيب، وكنت أسأله عن الضُعفاء الذين نشؤوا بعد الثلاثمائة بنيسابور وغيرها من شيوخ خُراسان، وكان يبين من غير محاباة.

أخبرنا المسلم بن علان، ومؤمل بن محمد كتابة، قالا: أخبرنا أبو اليُمن الكندي، قال: أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال (٢): أبو عبد الله ابن البيع الحاكم كان ثقة. أول سماعه في سنة ثلاثين


(١) فقد هذا الكتاب الجليل مع أن حاجي خليفة المتوفى سنة ١٠٦٧ هـ قد اطلع عليه كما يبدو (كشف الظنون ١/ عمود ٣٠٨)، وقال السبكي في ترجمة الحاكم من الطبقات: "وهو عندي أعود التواريخ على الفقهاء بفائدة، ومن نظره عرف تفنن الرجل في العلوم جميعًا" (٤/ ١٥٥). وقد تبين لي أن السبكي كانت عنده نسختان من الكتاب. وعده المزي واحدًا من عشرة كتب هي أمهات علم الجرح والتعديل (انظر تهذيب الكمال ١/ ١٥٤). وقد اختصره أحمد بن محمد بن الحسن المعروف بالخليفة النيسابوري اختصارًا مجحفًا فلم يبق فيه إلا على أسماء المترجمين. وقد نشره الدكتور بهمن كريمي في طهران سنة ١٣٣٩ هجرية شمسية، وهي نشرة رديئة جدًّا. وفي خزانة كتبي نسخة مصورة من هذا المختصر صورتها من مكتبة بروسة بتركيا أيام الطلب، وهي أحسن من المطبوعة، وقد أعاد نشر المخطوطة الأستاذ ريجارد فراي الأمريكي - من جامعة هارفرد - بالتصوير مع منتخبات من السياق لعبد الغافر الفارسي. ويظهر من دراسة المختصر أن الحاكم ابتدأ كتابه بذكر خراسان وما ورد فيها من الأحاديث والآثار، ثم ذكر من نزلها من الصحابة والتابعين، ثم أتباعهم وهلم جرًا فجعله على ست طبقات، فهو مرتب على الطبقات لا على حروف المعجم كما ظن بعضهم خطأ. وقد أكثر العلماء من النقل منه، ومنهم المؤلف، على مدى العصور.
(٢) تاريخه ٣/ ٥١٠ - ٥١١.