للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن هذه التراجم كانت متفاوتةً في قيمتها، فقد نقلها قسمٌ منهم عن المتقدمين المعروفين لنا فلم نفد منها كثيرًا. أما القسم الآخر فكان مفيدًا؛ فقد كان ابنُ الجزريِّ هو الوحيد الذي ترجم للذهبي باعتباره أستاذًا في القراءات وأشار إلى أنه سلخ كتابه "طبقات القراء" وأدخله في كتابه "غاية النهاية". أما ابنُ ناصر الدين وابن قاضي شهبة وابن حجر فهم من الذين اتَّصَلُوِا بكتبِ الذهبي؛ فقد شرح ابنُ ناصر الدين كتابَ "المشتبه" للذهبي، ونَظمَ كتابه "تذكرة الحفاظ". ولخص ابن قاضي شهبة "تاريخ الإسلام". وكان لابن حجر اتصالٌ قويٌّ بكثيرٍ من مؤلفات الذهبي، وهو من أعظم النقاد في القرن التاسع الهجري، ولذلك فإن رأيه في الذهبي له قيمته العلمية، أما ابن تغري بردي وسبط ابن حجر فهما أكثر من عني بذكر مؤلفات الذهبي وآثاره؛ ففي الوقت الذي ذكر فيه السبكي (٢٤) مؤلفًا، والصفدي (٣٨) مؤلفًا، وهما من أكثرِ الناس اتصالًا به ذكر لنا ابن تغري بردي وسبط ابن حجر قرابة المئة أثر بين مختصرٍ وتأليفٍ وتخريج. أما كتاب "الإعلان" للسخاوي فقد كان من أحسنِ المصادر المتأخرة، وقد انفرد بعدة أمورٍ لم نجدها في غيره من الكتب، فهو الوحيدُ الذي نقل إلينا خطة الذهبي لتاريخه "المحيط" الذي لم يؤلفه وقد أفادتنا هذه الخطة كثيرًا في تَفَهُّم مفهومِ التاريخ عند الذهبي ومدى التصاقه بالتراجم، بل إنَّ السخاويَّ بنى أصلَ كتابهِ على خطة الذهبي هذه بعد أنْ أضافَ إليها. وقد أشار السخاويُّ إلى نقدِ السبكي وابن المرابط للذهبي ونقل أقوالهما ورَدَّ عليها وفَنَّدها ونقلَ آراء العلماء فيها، كما شاهد خط ابن بصخان المقرئ على الصفحة التي ترجم له الذهبي فيها وكيف أقْذَعَ في الكلام على الذهبي بسبب كلام الذهبيِّ فيه. وقد انفرد السخاويُّ بذكر بعض آثار الذهبي، بل نقل كتيبًا صغيرًا له في كتابه هو "الأمصار ذوات الآثار"، وهو الوحيدُ الذي أشار إلى رسالة الذهبيِّ إلى ابن تيميةَ مما وثق نسبتها إليه لاسيما وقد شَكَّ فيها غيرُ واحدٍ، ثم قدم لنا السخاويُّ تقويمًا لكتب الذهبي في نهاية القرن الثامن الهجري. والسخاوي بعد ذلك من كبار علماء التاريخ امتاز بمنهجٍ على درجةٍ كبيرة من الرُّقيِّ، فأقواله لها قيمتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>