للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أأخرجتني من بطن مكة أيمنا (١) … وأسكنتني في سرح بيضاء تقذع

تريش نبالا لا يواتيك ريشها … وتبري نبالا ريشها لك أجمع

وحاربت أقواما كراما أعزة … وأهلكت أقواما بهم كنت تفزع

ستعلم إن نابتك يوما ملمة … وأسلمك الأرياش (٢) ما كنت تصنع

وقال موسى بن عقبة: ثم إن قريشا ائتمروا واشتد مكرهم، وهموا بقتل رسول الله أو إخراجه، فعرضوا على قومه أن يعطوهم ديته ويقتلوه، فأبوا حمية. ولما دخل رسول الله شعب بني عبد المطلب، أمر أصحابه بالخروج إلى الحبشة فخرجوا مرتين؛ رجع الذين خرجوا في المرة الأولى حين أنزلت سورة النجم، وكان المشركون يقولون: لو كان محمد يذكر آلهتنا بخير قررناه وأصحابه، ولكنه لا يذكر من حالفه من اليهود والنصارى بمثل ما يذكر به آلهتنا من الشتم والشر. وكان رسول الله يتمنى هداهم، فأنزلت: (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى)، فألقى الشيطان عندها كلمات: وإنهن الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن ترتجى (٣). فوقعت في قلب كل مشرك بمكة، وذلت بها ألسنتهم وتباشروا بها. وقالوا: إن محمدا قد رجع إلى ديننا، فلما بلغ آخر النجم سجد وسجد كل من حضر من مسلم أو مشرك، غير أن الوليد بن المغيرة كان


(١) في سيرة ابن هشام: آمنًا.
(٢) هكذا بخط المؤلف، وفي السيرة: الأوباش. وهو جمع راش، أي: ضعيف، شُبّه بالريش ضعفًا، فما ذكره المؤلف هو الصواب، وإن كان الكل بمعنى.
(٣) كتب المصنف بخطه في حاشية نسخته تعليقًا على هذا الخبر نصه: "هذه اللفظة ينكرها أهل النظر، وهي منكرة، ولكنها في مغازي الحافظ موسى بن عقبة، وفي السيرة رواية ابن إسحاق، وفي مصنف البيهقي، وغير ذلك، وكان الحافظ المنذري يرد ذلك، وكان شيخنا الدمياطي يخالفه. ورواها أبو الفتح اليَعمري في السيرة له، فقال: الذي عندي في هذا الخبر أنه جار مجرى ما يذكر من المغازي والسير. وذهب كثير من أهل العلم إلى الترخُّص في رواية الرقاق، وما لا حكم فيه من أخبار المغازي إلى أن قال: وهذا الخبر ينبغي رَدُّه إلا أن يثبت بسند قوي، فنرجع إلى تأويله. وقال فيه السهيلي: مَنْ صحح هذا قال: إن الشيطان قال ذلك وأشاعه في الأسماع وما نطق به الرسول. وقيل: بل قاله الرسول حاكيًا عن الكفرة، وأنهم يقولون ذلك، فقالها متعجبًا من كفرهم. والله أعلم".