مكة، وأعطى الأعمى الدنانير، فأنكر ذلك وقال: يظلمني بإشبيلية، ويتصدق علي هنا. ثم أخذ ديناراً منها، فوضعه في فمه فمات بعد يوم. وكذلك فر منه رجل مؤذن إلى طليطلة، فأخذ يدعو عليه في الأسحار، فبعث إليه من جاءه برأسه.
وطالت أيامه إلى أن توفي في رجب فقيل: إن ملك الفرنج سمه في ثياب بعث بها إليه. وقيل: مات حتف أنفه، وقام بعده ابنه المعتمد.
ومما تم له في سنة سبع وأربعين أنه سكر ليلة، وخرج في الليل مع غلام، وسار نحو قرمونة، وهي بعض يوم من إشبيلية. وكان صاحب قرمونة إسحاق بن سليمان البرزالي قد جرى له معه حروب، فلم يزل يسري حتى أتى قرمونة، وكان إسحاق يشرب في جماعة، فأعلم بالمعتضد بأنه يستأذن، فزاد تعجبهم، وأذن له، فسلم على إسحاق، وشرع في الأكل، فزال عنه السكر، وسقط في يده، لما بينه وبين بني برزال من الحرب، لكنه تجلد وأظهر السرور، وقال: أريد أن أنام. فنومه في فراش، فتناوم، وظنوا أنه قد نام، فقال بعضهم: هذا كبش سمين، والله لو أنفقتم ملك الأندلس عليه ما قدرتم، فإذا قتل لم تبق شوكة تشوككم. فقام منهم معاذ بن أبي قرة، وكان رئيساً، وقال: والله لا كان، هذا رجل قصدنا ونزل بنا، ولو علم أنا نؤذيه ما أتانا مستأمناً. كيف تتحدث عنا القبائل أنا قتلنا ضيفنا وخفرنا ذمتنا؟ ثم انتبه، فقاموا وقبلوا رأسه، وجددوا السلام عليه، فقال لحاجبه: أين نحن؟ قال: بين أهلك وإخوانك. فقال: إيتوني بدواة. فأتوه بها، فكتب لكل منهم بخلعة وذهب وأفراس وخدم، وأمر كل واحد أن يبعث رسوله ليقبض ذلك. ثم ركب من فوره، وقاموا في خدمته. ثم طلبهم بعد ستة أشهر لوليمة، فأتاه ستون رجلاً منهم، فأنزلهم، وأنزل معاذاً عنده. ثم أدخلهم حماما، وطين بابه فماتوا كلهم. فعز على معاذ ذلك، فقال المعتضد: لا ترع فإنهم قد حضرت آجالهم، وقد أرادوا قتلي، ولولاك لقتلوني، فإن أردت أن أقاسمك جميع ما أملك فعلت. فقال: أقيم عندك، وإلا بأي وجه أرجع إلى قرمونة وقد قتلت سادات بني برزال. فأنزله في قصر وأقطعه، وكان من كبار أمرائه. ثم كان المعتمد