جملة عبيد العسكر، فلم يشعر بهم إلاّ عبد الله أخو الصُّليحيّ، فدخل وقال: يا مولانا اركب، فهذا والله الأحول سعيد بن نجاح. وركب عبد الله، فقال الصُّليحيّ: إنّي لا أموت إلاّ بالدُّهيم وبئر أمّ معبد. معتقدًا أنّها أمّ معبد الّتي نزل بها رسول الله ﷺ لمّا هاجر. فقال له رجل من أصحابه: قاتل عن نفسك، فهذه والله الدُّهيم، وهذه بئر أمّ معبد. فلّما سمع ذلك لحقه زمع اليأس من الحياة على بغتة، وبال، ولم يبرح من مكانه حتّى قطع رأسه بسيفه، وقتل أخوه وأقاربه، وذلك في ذي القعدة من السّنة.
ثمّ أرسل ابن نجاح إلى الخمسة آلاف، فقال: إنّ الصُّليحيّ قد قتل، وأنا رجل منكم، وقد أخذت بثأر أبي، فقدموا عليه وأطاعوه. فقاتل بهم عسكر الصُّليحيّ، فاستظهر عليهم قتلًا وأسرًا، ورفع رأس الصُّليحيّ على رمح، وقرأ القارئ: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممَّن تشاء. ورجع فملك زبيد، وتهامة، إلى أن عملت على قتله الحرَّة، ودبّرت عليه، وهي امرأة من أقارب الصُّليحيّ. فقتل سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.
قال محمد بن يحيى الزَّبيديّ الواعظ: أنشدني الفقيه عبد الغالب بن الحسن الزَّبيديّ لنفسه بزبيد:
أيا هذا المغرور لم يدم الدَّهـ … ـر لعادٍ الأولى ولا لثمود
نقّبوا في البلاد، واجتاب مجتا … بهم الصَّخر، باليفاع المشيد
والّذي قد بنى بأيدٍ متينٍ … إرمًا هل وراءها من مزيد؟
وقرونًا من قبل ذاك ومن بعـ … ـد جنودًا أهلكن بعد جنود
والصُّليحيّ كان بالأمس ملكًا … ذا اقتدارٍ وعدّةٍ وعديد
دخل الكعبة الحرام، وزارت … منه للشّحر خافقات البنود
فرماه ضحى بقاصمة الظَّهـ … ـر قضاء أتيح غير بعيد
وأبو الشّبل إذ يتيه بما أعـ … ـطي من مخلبٍ ونابٍ حديد