للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستصلحوا إخاءنا بإصلاح إخائكم، والله ولي التوفيق لنا ولكم، والسلام، ففرح بكتابه ابن عباد وملوك الأندلس، وقويت نفوسهم على دفع الفرنج، ونووا إن رأوا من ملك الفرنج ما يريبهم أن يستنجدوا بابن تاشفين، وصارت لابن تاشفين بفعله محبة في نفوس أهل الأندلس.

ثم إن الأذفونش ألح على بلاد ابن عباد، فقال ابن عباد في نفسه: إن دهينا من مداخلة الأضداد لنا، فأهون الأمرين أمر الملثمين، ورعاية أولادنا جمالهم أهون من أن يرعوا خنازير الفرنج، وبقي هذا الرأي نصب عينيه، فقصده الأذفونش في جيشٍ عرمرم، وجفل الناس، فطلب من ابن تاشفين النجدة، والجهاد، وكان ابن تاشفين على أتم أهبةٍ، فشرع في عبور جيشه، فلما رأى ملوك الأندلس عبور البربر للجهاد، استعدوا أيضا للنجدة، وبلغ ذلك الأذفونش، فاستنفر دين النصرانية، واجتمع له جنود لا يحصيهم إلا الله، ودخل مع ابن تاشفين شيء عظيم من الجمال، ولم يكن أهل جزيرة الأندلس يكادون يعرفون الجمال، ولا تعودتها خيلهم، فتجافلت منها ومن رغائها وأصواتها، وكان ابن تاشفين يحدق بها عسكره، ويحضرها الحروب، فتنفر خيل الفرنج عنها، وكان الأذفونش نازلا بالزلاقة بالقرب من بطليوس، فقصده حزب الله، وقدم ابن تاشفين بين يديه كتابا إلى الفرنج يدعوهم إلى الإسلام، أو الحرب، أو الجزية، ثم أقبلت الجيوش، ونزلت تجاه الفرنج، فاختار ابن عباد أن يكون هو المصادم للفرنج أولا، وأن يكون ابن تاشفين ردفا له، ففعلوا ذلك، فخذل الفرنج، واستحر القتل فيهم، فيقال: إنه لم يفلت منهم إلا الأذفونش في دون الثلاثين، وغنم المسلمون غنيمة عظيمة، وذلك في سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وعف يوسف عن الغنائم، وآثر بها ملوك الأندلس ليتم له الأجر، فأحبوه وشكروا له، وكانت ملحمة عظيمةٍ قل أن وقع في الإسلام مثلها، وجرح فيها ملك الفرنج، وجمعت رؤوس الفرنج، فكانت كالتل العظيم.

ثم عزم ابن عباد على أمير المسلمين يوسف، ورام أن ينزل في ضيافته، فأجابه، فأنزله في قصوره على نهر إشبيلية، فرأى أماكن نزهة، كثيرة الخير والحسن والرزق، وبالغ المعتمد بن عباد وأولاده في خدمة أمير المسلمين، وكان رجلا بربريا، قليل التنعم والتلذذ والرفاهية، فرأى ما هاله من الحشمة

<<  <  ج: ص:  >  >>