والفرش والأطعمة الفاخرة، فأقبل خواصه عليه ينبهونه على تلك الهيئة ويحسنونها، ويقولون: ينبغي أن تتخذ ببلادك نحو هذا، فأنكر عليهم، وكان قد دخل في الشيخوخة، وفنيت إرادته، وأدمن على عيش بلاده، ثم أخذ يعيب طريقة المعتمد وتنعمه المفرط، وقال: من يتعانى هذه اللذات لا يمكن أن يعدل كما ينبغي أبدا، ومن كان هذا همته متى تشحذ في حفظ بلاده ورعيته! ثم سأل يوسف: هل يفعل المعتمد هذا التنعم في كل أوقاته؟ فقيل له: بل كل زمانه على هذا، فسكت، وأقام عنده أياما، فأتى المعتمد رجل عاقل ناصح، فخوفه من غائلة ابن تاشفين، وأشار عليه بأن يقبض عليه، وأن لا يطلقه حتى يأمر كل من بالأندلس من عسكره أن يرجع من حيث جاء: ثم تتفق أنت وملوك الأندلس على حراسة البحر من سفينة تجري له، ثم تتوثق منه بالأيمان أن لا يغدر، ثم تطلقه، وتأخذ منه على ذلك رهائن.
فأصغى المعتمد إلى مقالته واستوصبها، وبقي يفكر في انتهاز الفرصة، وكان له ندماء قد انهمكوا معه في اللذات، فقال أحدهم لهذا الرجل: ما كان أمير المؤمنين، وهو إمام أهل المكرمات ممن يعامل بالحيف ويغدر بالضيف، قال: إنما الغدر أخذ الحق ممن هو له، لا دفع المرء عن نفسه، قال النديم: بل كظم مع وفاءٍ خير من حزم مع جفاء، ثم إن ذلك الناصح استدرك الأمر وتلافاه، وشكر له المعتمد، وأجازه، فبلغ الخبر ابن تاشفين، فأصبح غاديا، فقدم له المعتمد هدايا عظيمة، فقبلها وعبر إلى سبتة، وبقي جل عسكره بالجزيرة يستريحون.
وأما الأذفونش، فقدم إلى بلده في أسوأ حال، فسأل عن أبطاله وبطارقته، فوجد أكثرهم قد قتلوا، وسمع نوح الثكالى عليهم، فلم يأكل ولا التذ بعيشٍ حتى مات غما، وخلف بنتا، فتحصنت بطليطلة.
ثم أخذ عسكر ابن تاشفين يغيرون، حتى كسبوا من الفرنج ما تجاوز الحد، وبعثوا، بالمغانم إلى مراكش، واستأذن مقدمهم سير بن أبي بكر ابن تاشفين في المقام بالأندلس، وأعلمه أنه قد افتتح حصونا، ورتب فيها، وأنه لا يستقيم الأمر إلا بإقامته، فكتب إليه ابن تاشفين يأمره بإخراج ملوك الأندلس من بلادهم وإلحاقهم بالعدوة، فإن أبوا عليه حاربهم، وليبدأ بالثغور، ولا يتعرض للمعتمد.