للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا أبا بكر ليس إلا هذا، وأشار إلى المصحف، أو هذا، وأشار إلى سنن أبي داود، أو السيف.

قال عبد الواحد (١): وظهر في أيام أبي يوسف يعقوب ما خفي في أيام أبيه وجده، ونال عنده طلبة العلم والحديث ما لم ينالوا في أيام أبويه، وانتهى أمره معهم إلى أن قال يومًا بحضرة كافة الموحدين: يا معشر الموحدين، أنتم قبائل، فمن نابه منكم أمر فزع إلى قبيلته، وهؤلاء - يعني الطلبة - لا قبيل لهم إلا أنا، فمهما نابهم أمرٌ فأنا ملجؤهم. فعظموا عند ذلك في أعين الموحدين، وبالغوا في احترامهم.

وفي سنة خمس وثمانين قصد بطرو بن الريق - لعنه الله - مدينة شلب فنالها فأخذها، فتجهز المنصور أبو يوسف في جيوش عظيمة، وعبر البحر، ونزل على شلب، فلم يطق الفرنج دفاعه، وهربوا منها، وتسلمها. ولم يكفه ذلك حتى أخذ لهم حصنًا، ورجع فمرض بمراكش مرضًا عظيمًا، وتكلم أخوه أبو يحيى في الملك، ودعا إلى نفسه، فلما عوفي قتله صبرًا، وقال: إنما أقتلك بقوله : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الأحدث منهما (٢). تولى قتله أخوه عبد الرحمن بمحضر من الناس. ثم تهدد القرابة وأهانهم، فلم يزالوا في خمولٍ، وقد كانوا قبل ذلك لا فرق بينهم وبين الخليفة سوى نفوذ العلامة.

وفي سنة تسعين انتقض ما بينه وبين الأذفنش (٣) من العهد، وعاثت الفرنج في الأندلس، فتجهز أبو يوسف وأخذ في العبور، فعبر في جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين، ونزل بإشبيلية، فعرض جيوشه، وقسم الأموال، وقصد العدو المخذول، فتجهز الأذفنش في جموع ضخمة، فالتقوا بفحص الحديد، وكان الأذفنش قد جمع جموعًا لم يجتمع له مثلها قط، فلما تراءى الجمعان اشتد خوف الموحدين، وأمير المؤمنين يعقوب في ذلك كله لا مستند له إلا الدعاء، والاستعانة بكل من يظن أنه صالح، فتواقعوا في ثالث شعبان، فنصر الله الإسلام، ومنح أكتاف الروم، حتى لم ينج الفنش، إلا في نحو من ثلاثين نفسًا من وجوه أصحابه. واستشهد يومئذ جماعة من الأعيان، منهم الوزير أبو بكر بن عبد الله ابن الشيخ عمر إينتي، وأتى أبو يوسف قلعة


(١) المعجب ٣٥٦ - ٣٦٠.
(٢) أخرجه مسلم من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري ٦/ ٢٣.
(٣) ويكتب أيضًا: "ألْفُنْش"، وهو الفُونس الثامن ملك قشتالة.