والسهر والتكرار مدة بالمدرسة وحفظ عدة كتب وعرضها، وتنبه وتميز على أقرانه. وسمع في صغره من ابن اللتي، وابن المقير، والسخاوي، وابن الصلاح. وأجاز له خلق من أصبهان، وبغداد، ومصر، والشام. وخرج له تقي الدين عبيد الحافظ معجمًا حافلاً. وخرج له أبو الحجاج الحافظ أربعين متباينة الإسناد. وحدث بمصر ودمشق. وأجاز له عمر بن كرم، وأبو حفص السهروردي ومحمود بن منده، وهذه الطبقة.
ولم أسمع منه، بل مشيت إليه وشهد في إجازتي من الحاضرين بالقراءات وامتحنني في أشياء من القراءات، وأعجبه جوابي وتبسم. وكان يحب أرباب الفضيلة ويكرمهم، ويلازم الاشتغال في كبره. ويصنف التصانيف. وكان - على كثرة علومه - من الأذكياء الموصوفين، ومن النظار المنصفين. يبحث بتؤدة وسكينة، ويفرح بالفقيه الذكي ويتألفه، وينوه باسمه. وكان حسن الأخلاق حلو المجالسة، دينًا، متصونًا، صحيح الاعتقاد، مع كثرة نظره في الحكمة والعقليات. وقد صنف كتابًا في مجلد كبير يشتمل على عشرين فنًا من العلم، وشرح الفصول لابن معط، ونظم علوم الحديث لابن الصلاح، والفصيح لثعلب وكفاية المتحفظ. وقد شرح من أول ملخص القابسي خمسة عشر حديثا في مجلد، فلو تم هذا الكتاب لكان يكون أكبر من التمهيد وأحسن. وله مدائح في النبي - صلى الله عليه وسلم - وشعره جيد فصيح. وكان يحب الحديث وأهله ويقول: أنا من الطلبة.
درس وهو شاب بالدماغية، ثم ولي قضاء القدس قبل هولاكو وأيامه، ثم انجفل إلى القاهرة فولي قضاء المحلة والبهنسا، ثم قدم الشام على قضاء حلب. ثم رجع وعاد إلى قضاء المحلة. ثم ولي قضاء القضاة بالديار المصرية بعد الثمانين، ثم نقل إلى قضاء الشام عند موت القاضي بهاء الدين ابن الزكي.