وإيثار، ومروءة، وفتوة، وتواضع، وعدم تكلف. له أصحاب ومريدون يقتدون بآدابه وينتفعون بصحبته في الدنيا والآخرة، ويسعهم بخلقه وسخائه، وبسطه، وحلمه، وماله، وجاهه. وكان كبير القدر، وافر الحرمة، له القبول التام من الخاص والعام. وله محبة في القلوب، ووقع في النفوس.
قدم دمشق من الحجاز، بعد مجاورة مدة، سنة تسعين، فسمع من ابن البخاري، وابن الواسطي. وكان حسن القراءة للحديث، فولي مشيخة الحديث بالظاهرية والإعادة بالناصرية، وتدريس النجيبية. ثم ولي خطابة البلد بعد زين الدين ابن المرحل، فكان يخطب من غير تكلف ولا تلعثم. ويخرج من الجمعة وعليه السواد، فيمشي بها ويشيع جنازة، أو يعود أحدًا ويعود إلى دار الخطابة. وله نوادر وسجع وحكايات حلوة في لبسه وخطابه وخطابته وكان ظريفًا، حلو المجالسة، طيب الأخلاق وكان الشجاعي نائب السلطنة قائلاً به، معظمًا له. وكان هو يمشي إليه إلى دار السعادة. وكان بعض الزهاد ينكر ذلك عليه.
ثم إنه عزل عن الخطابة بموفق الدين ابن حبيش الحموي، فتألم لذلك وترك الجهات، وأودع بعض كتبه، وكانت كثيرة جدًا، وسار مع الركب الشامي سنة إحدى وتسعين فحج، وسار مع حجاج العراق إلى واسط.
وكان لطيف الشكل، صغير العمامة، يتعانى الرداء على ظهره، وكان قد انحنى وانتحل واندك من كثرة الجماع والاشتغال والمطالعة والتهجد في الشيخوخة. وخلف من الكتب ألفين ومائتي مجلدة.
توفي بواسط في بكرة يوم الأربعاء سنة أربع في مستهل ذي الحجة، وصلي عليه بدمشق صلاة الغائب بعد سبعة أشهر.
وسألت الشيخ علي الواسطي الزاهد عن نسبته المصطفوي، فقال: كان والده الشيخ محيي الدين الفاروثي يذكر أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم، وواخاه فلهذا كان يكتب المصطفوي.
وحدثنا ابن مؤمن المقرئ أنه سمع الشيخ عز الدين لما قدم عليهم واسط وقيل له: كيف تركت الأرض المقدسة وجئت؟ فقال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لي: تحول إلى واسط لتموت بها وتدفن عند والدك.