للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنزل علينا سكينته، فقهرنا العدو الطاغية والجيوش الباغية، فرقناهم أيدي سبأ، ومزقناهم كل ممزق، حتى جاء الحق وزهق الباطل، فازدادت صدورنا انشراحًا للإسلام وقويت نفوسنا بحقيقة الأحكام، منخرطين في زمرة من حبب إليهم الإيمان، فوجب علينا رعاية تلك العهود الموثقة، والنذور المؤكدة، فصدرت مراسمنا العالية أن لا يتعرض أحد من العساكر المذكورة على اختلاف طبقاتها بدمشق وأعمالها وسائر البلاد الشامية، وأن يكفوا أظفار التعدي عن أنفسهم وأموالهم وحريمهم وأطفالهم، ولا يحوموا حول حماهم بوجه من الوجوه، حتى يشتغلوا بصدور مشروحة وآمال مفسوحة، بعمارة البلاد وبما هو كل واحد بصدده من تجارة وزراعة، وكان في هذا الهرج العظيم وكثرة العساكر تعرض بعض نفر يسير إلى بعض الرعايا وأسرهم، فقتلنا منهم ليعتبر الباقون، ويقطعوا أطماعهم عن النهب والأسر، وليعلموا أنا لا نسامح بعد هذا الأمر البليغ البتة، وأن لا يتعرضوا لأحد من أهل الأديان من اليهود والنصارى والصابئة، فإنهم إنما يبذلون الجزية لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا، لأنهم من جملة الرعايا، قال : الإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم (١)، فسبيل القضاة والخطباء والمشايخ والعلماء والشرفاء والأكابر وعامة الرعايا الاستبشار بهذا النصر الهني والفتح السني، وأخذ الحظ الوافر من الفرح والسرور، مقبلين على الدعاء لهذه الدولة القاهرة والمملكة الظاهرة، وكتب في خامس ربيع الآخر.

فلما فرغ من قراءته نثر عليه ذهب وفضة بالمقصورة، ونثر الشريف زين الدين نحو عشرة دنانير، وكان واقفًا مع المغول على السدة، وضجت العامة، ودعوا للملك، وسكن جأشهم بعض الشيء، وجعل نائب البلد الملك إسماعيل وجلس بالقيمرية، وكان فيه عقل وإسلام وقلة شر في الجملة، ثم طلبوا يوم الأحد المال والخيل من العامة.

وفي عاشر ربيع الآخر قرب الجيش من الغوطة، ووقع العبث والفساد وقتلوا جماعة من أهل البر، ونهبوا بقايا من في الضياع، وقد قبجق وبكتمر


(١) قطعة من حديث صحيح مشهور. أخرجه البخاري ٣/ ١٩٦ و ٧/ ٣٤ و ٤١، ومسلم ٦/ ٧ و ٨، وغيرهما من حديث ابن عمر. وانظر تمام تخريجه في تعليقنا على الترمذي (١٧٠٥).