للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما أهل الصالحية فابتلشوا ونشبوا بالقعود، وجاءهم مقدم، وقعد شحنة لهم، فأكلهم واستحلبهم، وزوجه القاضي بصبية ولم يكن عنده دفع عنهم.

وشرعت التتار في نهب الصالحية والعبث والفساد وبقوا كل يوم يقوى شرهم، ويكثر عبثهم، وأخذوا منها شيئًا كثيرًا من القموح والغلال والقماش والذخائر، وقلعوا الشبابيك وكسروا وأخربوا وأخذوا بسط الجامع، والتجأ الناس إلى دير المقادسة، فانحشروا فيه، فاحتاط به التتار في ثامن عشر الشهر ودخلوه ونهبوا فيه وسبوا الحريم والأطفال، فخرج إليهم شيخ المشايخ النظام في جماعة من التتار فأدركوهم وردوا عن الدير بعض الشيء، وهرب التتار بما حووا وتوجهت فرقة إلى داريا، فاحتمى أهلها بالجامع، فحاصروه وأخذوه ودخلوه ونهبوا وقتلوا وعثروا أهل داريا.

ولم يزالوا يتدرجون في نهب الخيل وسبي أهله قليلاً قليلاً، فرقة تذهب وفرقة تأتي، ونبشوا أطمار القماش والأثاث وعاقبوا وعذبوا، وكان خاتمة أمرهم الدير فاستباحوه، ولم يتركوا به إلا العجائز في البرد والجوع والعري، ودخل الرجال عراة حفاة، عليهم خلقان كأنهم الصعاليك، بل أضعف من الصعاليك لما هم فيه من آلام العقوبات والجوع وشدة البرد والسهر وذهاب الأولاد والحريم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وسارت فرقة إلى المزة وكان بها أكثر أهلها قد اغتروا وقعدوا فأوطؤوهم خوفًا ونهبًا وتبارًا.

وكان الشيخ تقي الدين ابن تيمية تلك الأيام يتردد إلى من يرجو نفعه إلى شيخ المشايخ وإلى العلم سليمان وإلى قبجق. ثم إنه خرج مع جماعة يوم العشرين من الشهر إلى قازان وهو بتل راهط، فأدخل عليه ولم يمكن من إعلام قازان بما يقع من التتار، وخافوا أن يغضب ويقتل أناسًا من المغل، وأذن له في الدعاء والإسراع، وأشار عليه الوزير سعد الدين ورشيد الدين اليهودي مشير الدولة بأن لا يشكو التتار ونحن نتولى إصلاح الأمر ولكن لا بد من إرضاء المغل، فإن منهم جماعة كبيرة لم يحصل لهم شيء إلى الآن.

وعاد الشيخ إلى المدينة، ثم من الغد في اليوم الثاني والعشرين اشتهر أنه لا بد من دخول المغل إلى البلد والنهب وظهر ذلك، وجهز شيخ المشايخ