وددت وبيت الله أني عصيتهم وحملت في رضوانها كل موثق وكلفت خوض البحر والبحر زاخر أبيت على أثباج موج مغرق كأني أرى الناس المحبين بعدها عصارة ماء الحنظل المتفلق فتنكر عيني بعدها كل منظر ويكره سمعي بعدها كل منطق فقال معاوية: هذا وأبيك الحب، وأذن له في زيارتها، فسار حتى نزل على امرأة بالمدينة يقال لها: بريكة، وأهدى لها وللبنى هدايا وألطافا، وأخبرها بكتاب معاوية.
فقالت: يا ابن عم، ما تريد إلى الشهرة؟ فأقام أياما، فبلغ زوج لبنى قدومه، فمنع لبنى من زيارة بريكة، فأيس قيس من لقائها، فبقي مترددا في كتاب معاوية. فرآه ابن أبي عتيق يوما، فقال: يا أعرابي، مالي أراك متحيرا؟ قال: دعني بارك الله فيك! قال: أخبرني بشأنك؛ فإني على ما تريد، وألح عليه، فأخبره وقال: لا أراني إلا في طلب مثلك، وانطلق به.
فأقام عنده ليلة يحدثه وينشده، فلما أصبح ابن أبي عتيق ركب فأتى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقال: فداك أبي وأمي، اركب معي في حاجة، فركب معه، واستنهض معه ثلاثة أو أربعة من وجوه قريش، ولا يدرون ما يريد. حتى أتى بهم باب زوج لبنى، فخرج فإذا وجوه قريش، فقال: جعلني الله فداكم، ما جاء بكم؟ قالوا: حاجة لابن أبي عتيق استعان بنا عليك، فقال: اشهدوا أن حكمه جائز علي، فقال ابن أبي عتيق: اشهدوا أن امرأته لبنى منه طالق.
فأخذ عبد الله بن جعفر برأسه، ثم قال: لهذا جئت بنا؟ فقال: جعلت فداكم، يطلق هذا امرأته ويتزوج بغيرها خير من أن يموت رجل مسلم، فقال عبد الله: أما إذ فعل ما فعل فله علي عشرة آلاف درهم، فقال ابن أبي عتيق: والله لا أبرح حتى تنقل متاعها، ففعلت، وأقامت في أهلها، حتى انقضت عدتها وتزوج بها قيس، وبقيا دهرا بأرغد عيش، فقال قيس:
جزى الرحمن أفضل ما يجازي على الإحسان خيرا من صديق فقد جربت إخواني جميعا فما ألفيت كابن أبي عتيق سعى في جمع شملي بعد صدع ورأي جرت فيه عن الطريق وأطفأ لوعة كانت بقلبي أغصتني حرارتها بريقي