جالست بعد اليوم أحدا سواك، فانصرف وأنشأ يقول: أظن هواها تاركي بمضلة من الأرض لا مال لدي ولا أهل ولا أحد أقضي إليه وصيتي ولا وارث إلا المطية والرحل محا حبها حب الألى كن قبلها وحلت مكانا لم يكن حل من قبل قلت: ثم اشتد بلاؤه بها، وشغفته حبا، ووسوس في عقله، فذكر أبو عبيدة أن المجنون كان يجلس في نادي قومه وهم يتحدثون، فيقبل عليه بعضهم، وهو باهت ينظر إليه لا يفهم ما يحدث به، ثم يثوب إليه عقله، فيسأل عن الحديث فلا يعرفه، حتى قال له رجل: إنك لمجنون، فقال: إني لأجلس في النادي أحدثهم فأستفيق وقد غالتني الغول يهوي بقلبي حديث النفس نحوكم حتى يقول جليسي أنت مخبول.
قال أبو عبيدة: فتزايد به الأمر حتى فقد عقله، فكان لا يقر في موضع، ولا يؤويه رحل، ولا يعلوه ثوب، إلا مزقه، وصار لا يفهم شيئا مما يكلم به إلا أن تذكر له ليلى، فإذا ذكرت له أتى بالبدائه.
وقد قيل: إن قوم ليلى شكوا منه إلى السلطان، فأهدر دمه، ثم إن قومها ترحلوا من تلك الناحية، فأشرف فرأى ديارهم بلاقع، فقصد منزلها، وألصق صدره به، وجعل يمرغ خديه على التراب، ويقول: أيا حرجات الحي حيث تحملوا بذي سلم لا جادكن ربيع وخيماتك اللاتي بمنعرج اللوى بلين بلى لم تبلهن ربوع ندمت على ما كان مني ندامة كما ندم المغبون حين يبيع.
قال ابن المرزبان: قال أبو عمرو الشيباني: لما ظهر من المجنون ما ظهر، ورأى قومه ما ابتلي به اجتمعوا إلى أبيه، وقالوا: يا هذا، ترى ما بابنك، فلو خرجت به إلى مكة فعاذ ببيت الله، وزار قبر رسوله، ودعا الله