إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أولا، إلى أن قويت شوكته، واستفحل أمره. وسبب خروجه أن جنديا أراد النزول في داره وهو غائب فمانعته أهل المبرقع، فضربها بسوطٍ أثر في ذراعها، فلما جاء زوجها بكت وشكت، فذهب إلى الجندي فقتله، وهرب. ولبس برقعا؛ لئلا يعرف، ونزل بجبال الغور مبرقعا، فكان يأتيه الرجل، فيحثه على الأمر بالمعروف ويعيب الدولة. فاستجاب له قوم من فلاحي القرى، وادعى أنه أموي، وتكاثف الأمر، فسار لحربه رجاء الحصاري أحد قواد المعتصم في ألف فارس، فأتاه فوجده في زهاء مائة ألف. فعسكر بحذائه، ولم يجسر على لقائه. فلما كان أوان الزراعة تفرق أكثر أولئك في فلاحتهم، وبقي في نحو ألفين، فواقعه رجاء، وكان المبرقع بطلا شجاعا، فحمل على العسكر، فأفرجوا له، ثم أحاطوا به فأسروه وسجنوه، فمات في آخر هذه السنة، وقيل: خنقوه.
وفيها بعث المعتصم على دمشق الأمير أبا المغيث الرافقي، فخرجت عليه طائفة من قيس؛ لكونه أخذ منهم خمسة عشر نفسا فصلبهم، فأغارت قيس على خيل السلطان، وعسكروا بمرج راهط. فوجه أبو المغيث جيشا لقتالهم، فقُتِلَ خلق من الجيش، وثبتت القيسية، ثم زحفوا على دمشق، فتحصن بها أبو المغيث، فوقع حصار شديد، فمات المعتصم والأمر على ذلك.
قال محمد بن عائذ: قدم دمشق رجاء الحصاري، فواقع أهل المرج، وجسرين، وكفر بطنا، وسقبا في جمادى الأولى، وأصيب من الناس خلق.
وقال علي بن حرب: كتب الواثق إلى الرقة إلى رجاء الحصاري يأمره بالمسير إلى دمشق. فقدمها، ونزل بدير مران، والقيسية معسكرون بمرج راهط، فوجه إليهم يسألهم الرجوع إلى الطاعة، فامتنعوا إلا أن يعزل أبا المغيث عن دمشق، فأنذرهم القتال يوم الاثنين، ثم كبسهم يوم الأحد بغتةً بكفر بطنا. وكان جمهور القيسية بدومة، فوافاهم وقد تفرقوا، فوضع السيف فيهم، وقتل منهم ألفا وخمسمائة، وقتلوا الأطفال، وجرحوا النسوان، ونهبوا. فهرب ابن بيهس ولحق بقومه بحوران، وقتل ابن عم رجاء، وقتل من الأجناد نحو الثلاثمائة، وقد عاش رجاء إلى سنة أربعٍ وأربعين ومائتين، وبويع الواثق بالله هارون في تاسع عشر ربيع الأول بعد موت أبيه المعتصم بعهدٍ منه