للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البغدادي الخرقي في وفيات سنة ٤٥٥ هـ "ولا يكاد يوجد ديوانه" (١).

كان للذهبيِّ خط متقن قد أعجب به علم الدين البرزالي منذ أن بدأ الذهبي بطلب العلم (٢). وقد وصل إلينا الكثير من كتبه وكتب غيره مكتوبًا بخطه، وهو وإنْ لم يكن جميلًا مراعيًا لأصولِ الخطاطين والكتاب، لكنه يمتازُ بالدقة والإتقان لا سيما للذي يُدْمِنُ عليه.

وعُرفَ الذهبيُّ بزهدِه وورعه وديانته المتينة، وقد رأينا عند دراستنا لمجمل سيرته أنه كان يأنسُ إلى الاجتماع بمشاهير الفقراء والصوفية من ذوي الديانة والتمسك بالآثار، قال تلميذه تقي الدين بن رافع السلامي المتوفى سنة ٧٧٤ هـ: "كان خيرًا صالحًا متواضعًا حسن الخلق حلو المحاضرة، غالب أوقاته في الجمع والاختصار والاشتغال بالعبادة. له وردٌ بالليل وعنده مروءةٌ وعصبية وكرم" (٣). وقال الزركشي المتوفى سنة ٧٩٤ هـ: "مع ما كان عليه من الزهد التام والإيثار العام والسبق إلى الخيرات والرغبة بما هو آت" (٤) ويكفي الذهبيَّ أنه أفنى حياته في دراسة حديثِ رسولِ الله وتدريسه.

لقد أصبحت كتبُ الذهبيِّ متداولةً في عصره والعصور التالية له، واعتبرت من أعظمِ المواردِ التي استقى منها الكُتَّابُ الذين جاؤوا بعده، قال ابن حجر: "ورغب الناس في تواليفه ورحلوا إليه بسببها وتداولوها قراءةً، ونسخًا، وسماعًا" (٥)، وقال تلميذه الحسيني: "وقد سار بجملة منها الركبانُ في أقطار البلدان" (٦) وحسبنا أنْ نلقي نظرةً عجلى على المستدركات والتلخيصات والذيول التي عُملت على كتبه لندرك أهميتها البالغة.

وكان الذهبيُّ مدرسةً قائمة بذاتها خَرَّجت العديدَ من الحُفَّاظِ والعلماء. وقد أتاحتْ له معرفتُه العظيمةُ الواسعة بالحديثِ وعلومِه والتاريخ وفنونه مكانةً مرموقةً بين أساتيذ العصر، فأَمَّهُ طلبةُ العلم من كُلِّ حدبٍ وصوب. ونحن نعلم


(١) تاريخ الإسلام، ١٠/ ٦٥ (من طبعتنا).
(٢) الذهبي: معجم الشيوخ، م ٢ الورقة ٢٥، ابن حجر: الدرر، ج ٣ ص ٣٢٣.
(٣) سبط ابن حجر: رونق الألفاظ، الورقة ١٨٠.
(٤) عقود الجمان (نسخة مكتبة فاتح رقم ٤٤٣٥).
(٥) ابن حجر: الدرر، ج ٣ ص ٤٢٧.
(٦) ذيل تذكرة الحفاظ، ص ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>