للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الذهبيَّ تولى مناصبَ تدريسية كثيرة نعرفُ منها مشيخةَ الحديث في تربة أم الصالح، ودار الحديث الظاهرية، والمدرسة النفيسية، ودار الحديث التنكزية، ودار الحديث الفاضلية، ودار الحديث العروية. وقد أتاحت له هذه المناصبُ أن يدرس عليه عددٌ كبيرٌ من الطلبة يفوقُ الحصرَ، قال تلميذه الحسيني: "وحمل عنه الكتابَ والسُّنَّةَ خلائق" (١) وقال ابن قاضي شهبة الأسدي: "سمع منه السبكي والبرزالي والعلائي وابن كثير وابن رافع وابن رجب وخلائق من مشايخه ونظرائه .. وتخرج به حفاظ" (٢). وإنَّ كُتُبَ القرنِ الثامن لتزخرُ بمئاتٍ من تلاميذِ الذهبيِّ النُّجُبِ لم نجد في إيرادهم كثيرَ فائدةٍ في مثل هذا البحث.

ونرى من المفيد أنْ نقتطفَ في نهاية هذا الفصل آراء العلماء فيه لما لذلك من أهمية في تقويمه، وكنا نقلنا في أثناء هذا البحث بعضًا منها، فقد وصفه رفيقُه وشيخه علم الدين البرزالي المتوفى سنة ٧٣٩ هـ في معجم شيوخه - والذهبي ما زال في مطلع حياته العلمية - بقوله: "رجلٌ فاضل، صحيح الذهن. اشتغل ورحل، وكتب الكثير. وله تصانيف واختصارات مفيدة. وله معرفةٌ بشيوخ القراءات" (٣). وقال تلميذه صلاح الدين الصفدي المتوفى سنة ٧٦٤ هـ: "الشيخ الإمام العلامة الحافظ شمس الدين أبو عبد الله الذهبي. حافظٌ لا يُجارى ولافظ لا يبارى، أتقنَ الحديثَ ورجاله، ونظر علله وأحواله، وعرَّف تراجم الناس، وأزالىَ الإبهام في تواريخهم والإلباس. ذِهْنٌ يَتوقَّدُ ذكاؤه، ويصحُّ إلى الذهب نِسْبتُه وانتماؤه. جمع الكثير، ونَفعَ الجَمَّ الغفير، وأكثر من التصنيف، ووفر بالاختصار مؤونة التطويل في التأليف … اجتمعتُ به وأخذتُ عنه وقرأت عليه كثيرًا من تصانيفه ولم أجد عنده جمود المحدثين ولا كودنة النقلة" (٤).

وعلى الرغم من مخالفة تاج الدين السبكي لشيخه الذهبي في بعض المسائل وَرَدِّهِ عليه، فإنه قال في حقه: "شيخنا وأستاذنا، الإمام الحافظ … محدث العصر. اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ، بينهم عموم


(١) ذيل تذكرة الحفاظ، ص ٣٦.
(٢) الإعلام، م ١ ورقة ٩٠ (نسخة باريس ١٣٩٨).
(٣) سبط ابن حجر: رونق الألفاظ، ورقة ١٨٠.
(٤) الوافي، ج ٢ ص ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>