محمدًا ﷺ أنْ يستعيذَ به مِن شرِّ شيطانٍ يُوسوِسُ مُرَّةً ويَخْنِسُ أخرى، ولم يخُصَّ وَسوستَه على نوعٍ من أنواعِها، ولا خُنُوسَه على وجْهٍ دونَ وجهٍ، وقد يُوسوِسُ بالدعاءِ إلى معصيةِ اللهِ، فإذا أُطيع فيها خَنَس، وقد يُوسوِسُ بالنَّهي عن طاعةِ اللهِ فإذا ذكَر العبدُ أمرَ ربِّه، فأطاعه فيه وعصى الشيطانَ، خَنَس، فهو في كلِّ حالتَيْه وَسْوَاسٌ خَنَّاسٌ، وهذه الصفةُ صفتُه.
وقوله: ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾. يعنى بذلك الشيطانَ الوَسْواسَ، الذي يُوسْوِسُ في صُدُورِ الناسِ؛
جِنِّهم وإنسِهم.
فإن قال قائلُ: فالجنُّ ناسٌ فيقالَ: ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾؟
قيل: قد سمَّاهم اللهُ في هذا الموضعِ ناسًا، كما سمَّاهم في موضعٍ آخرَ رِجالًا، فقال: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ٦]. فجعَل الجنَّ رِجالًا، وكذلك جعَل منهم ناسًا.
وقد ذُكر عن بعضِ العربِ أنه قال وهو يحدِّثُ: إذْ جاء قومُ مِن الجنِّ فوقَفوا، فقيل: من أنتم؟ فقالوا: ناسٌ مِن الجنِّ. فجعل منهم ناسًا، فكذلك ما في التنزيلِ من ذلك.