للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جعَلت لمَن قتلَ جالوت نصفَ مُلْكِك، ونصفَ كلِّ شيءٍ تَملِكُه، أفَلِى ذلك إن قتَلتُه؟ قال: نعم. والناسُ يستهزئون بداودَ، وإخوةُ داودُ أشدُّ مَن هنالك عليه، وكان طالوتُ لا يَنتَدِبُ إليه أحدٌ زعَم أنه يقتُلُ جالوتَ إلا ألبَسه دِرْعًا عندَه، فإذا لم تكنْ قَدْرًا عليه نزَعها عنه، وكانت دِرْعًا سابِغةً من دورعِ طالوتَ، فألبَسها داودَ، فلما رأى قَدْرَها عليه أمَره أن يتقدَّمَ، فتقدَّم داودُ، فقام مَقامًا لا يقومُ فيه أحدٌ، وعليه الدِّرْعُ، فقال له جالوتُ: وَيُحك، مَن أنتَ؟ إنى أرحَمُك، ليَتقدَّمْ إليَّ غيرُك من هذه الملوكِ، أنتَ إنسانٌ ضعيفٌ مسكينٌ، فارجِعْ. فقال داودُ: أنا الذي أقتُلُك بإذنِ اللَّهِ، ولن أرجِعَ حتى أقتُلَك. فلما أبَى داودُ إلا قتالَه، تقدَّم جالوتُ إليه ليأخُذه بيدِه مُقْتدِرًا عليه، فأخرَج الحجَرَ من المِخْلاةِ، فدَعا ربَّه، ورَماه بالحجرِ، فألقَت الريحُ بَيضتَه عن رأسِه، فوقَع الحجرُ في رأسِ جالوتَ حتى دخَل في جوفِه، فقتَله. قال ابن جريجٍ: وقال مجاهدٌ: لمَّا رمَى جالوتَ بالحجَرِ، خرَق ثلاثًا وثلاثين بيضةً عن رأسِه، وقتَلَت من ورائِه ثلاثين ألفًا. قال اللهُ تعالى: ﴿وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ﴾. فقال داودُ لطالوتَ: وفِّ لى بما جعلْتَ. فأبَى طالوتُ أن يُعطِيَه ذلك، فانطلَق داودُ فسكَن مدينةً من مدائنِ بنى إسرائيلَ، حتى مات طالوتُ، فلما مات عمَد بنو إسرائيلَ إلى داودَ، فجاءوا به، فمَلَّكوه وأعطَوه خزائنَ طالوتَ، وقالوا: لم يقتُلْ جالوتَ إلا نبيٌّ. قال اللهُ: ﴿وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾.

يعنى تعالى ذكرُه بذلك: وأعطَى اللَّهُ داودَ المُلْكَ والحكمةَ، وعلَّمه مما يشاءُ. والهاءُ في قولِه: ﴿وَآتَاهُ اللَّهُ﴾. عائدةٌ على داودَ. والمُلْكُ السلطانُ، والحكمةُ النبوَّةُ.