للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا دونَ هذا. ولا حاجةَ بنا إلى معرفةِ ذلك؛ لأن المعنى الذي دُعوا إليه (١)، هو مما كان فرضًا عليهم الإجابةُ إليه في دينِهم، فامتَنَعوا منه، فأخبرَ اللهُ جل ثناؤه عنهم برِدَّتِهم، وتكذيبِهم بما في كتابِهم، وجُحودِهم ما قد أخَذ عليهم عُهودَهم ومَواثيقَهم بإقامتِه والعملِ به، فلن يَعْدُوا أن يكونوا في تَكْذيبِهم محمدًا وما جاء به من الحقِّ، مِثْلَهم في تكذيبِهم موسى وما جاء به، وهم يَتَولَّونه ويُقِرُّون به.

ومعنى قولِه: ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾: ثم يَسْتدبِرُ عن كتابِ اللَّهِ الذي دَعا إلى حُكْمِه، مُعْرِضًا عنه مُنصرِفًا، وهو بحقيقتِه وحجتِه عالِمٌ.

وإنما قُلنا: إن ذلك الكتابَ هو (٢) التوراةُ؛ لأنهم كانوا بالقرآنِ مُكَذِّبِين، وبالتوراةِ بزَعْمِهم مُصَدِّقِين، فكانت الحجةُ عليهم بتَكذيبِهم بما هم به في زَعْمِهم مُقِرُون، أبلغَ، وللعُذْرِ أقطعَ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)﴾.

يعنى جل ثناؤه بقولِه: ﴿بِأَنَّهُمْ قَالُوا﴾: بأن هؤلاء الذين دُعُوا إلى كتابِ اللهِ ليَحْكُمَ بينَهم بالحقِّ فيما نازَعوا رسولَ اللهِ ، إنما أبَوُا الإجابةَ إلى (٣) حُكْمِ التوراةِ وما فيها من الحقِّ، من أجلِ قولِهم: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾. وهى أربعون يومًا، وهن الأيامُ التي عبَدوا فيها العِجْلَ، ثم يُخْرِجُنا منها ربُّنا، اغْتِرَارًا منهم بما كانوا يفتَرون، يعني: بما كانوا يَخْتَلِقون من الأكاذيبِ والأباطيلِ، في ادِّعائِهم أنهم أبناءُ اللهِ وأحِبَّاؤُه، وأن الله قد وَعَد أباهم يعقوبَ أن لا يُدْخِلَ أحدًا مِن ولدِه


(١) بعده في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "جملته".
(٢) سقط من: ت ١، س.
(٣) في م: "في".