للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تلومُ صاحبَها على الخيرِ والشرِّ، وتَنْدَمُ على ما فات. والقرَأَةُ كلُّهم مُجْمِعُون على قراءةِ هذه بفصلِ "لا" من "أُقْسِمُ".

وقوله: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: أيظُنُّ ابنُ آدمَ أن لن نقْدِرَ على جمعِ عظامه بعد تَفَرُّقها؟! بلي قادِرين على أعظمَ من ذلك؛ أن نُسَوِّىَ بنانَه، وهى أصابعُ يدَيْهِ ورجلَيْهِ، فنجعَلَها شيئًا واحدًا كخفِّ البعيرِ، أو حافرِ الحمارِ، فكان لا يَأْخُذُ ما يَأْكُلُ إلا يفيه كسائرِ البهائمِ، ولكنَّه فرَق أصابعَ يديه يَأْخُذُ بها ويَتَنَاوَلُ، ويَقْبِضُ إذا شاء ويَبْسُطُ، فحسَّن خَلْقَه.

وبنحوِ الذي قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن مغيرةَ، عن أبي الخيرِ بن تميمٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، قال: قال لى ابنُ عباسٍ: سَلْ. فقلتُ: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (٣) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ﴾. قال: لو شاء لجعَله خُفًّا أو حافرًا (١).

حدَّثني محمدُ بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ﴾. قال: أنا قادرٌ على أن أَجْعَلَ كفَّه (٢) مُجَمَّرةً (٣) مثلَ خفِّ البعير (٤).

حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا ابنُ عطيةَ، عن إسرائيلَ، عن مغيرةَ، عمن حدَّثه،


(١) تقدم أوله في ص ٤٦٧.
(٢) في الأصل: "كفيه".
(٣) جمّر الشيء تجميرًا: جمَعه. التاج (ج م ر).
(٤) ذكره ابن كثير في تفسيره ٨/ ٣٠١.