للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بغيرِ نونٍ مُثَقَّلةٍ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.

يعنى بقولِه تعالى ذكرُه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾: فبرحمةٍ مِن اللهِ. و"ما" صِلَةٌ. وقد بيَّنْتُ وجهَ دُخولِها في الكلامِ في قولِه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ (١) [البقرة: ٢٦]. والعربُ تَجْعَلُ "ما" صِلَةً في المعرفةِ والنَّكرةِ، كما قال: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٥، المائدة: ١٣]. والمعنى: فبنقْضِهم ميثاقَهم. وهذا في المعرفةِ، وقال في النكرةِ: ﴿عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ﴾ [المؤمنون: ٤٠]. والمعنى: عن قليل. وربما جُعِلَت اسمًا، وهي في مذهبِ صِلَةٍ، فيُرْفَعُ ما بعدَها أحيانًا على وجهِ الصَّلةِ، ويُخْفَضُ على إتباعِ الصلةِ ما قبلَها، كما قال الشاعرُ (٢):

فكَفى بنا فَضْلًا على مَن غَيْرِنا … حُبُّ النبيِّ محمدٍ إِيَّانَا

إذا جُعِلتْ "غيرُ" صلةً رُفِعتْ بإضمارِ "هو"، وإِن خُفِضَتْ أَتْبَعتَه "مَن" فأَعْرَبَتْه بإعرابِه (٣). فذلك حكمُه على ما وصَفْنا مع النَّكِراتِ.

فأما إذا كانت الصلةُ مَعْرفةً، كان الفَصِيحَ مِن الكلامِ الإتْباعُ، كما قيل: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ﴾. والرفعُ جائزٌ في العربيةِ.

وبنحوِ ما قلْنا في قولِه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾. قال جماعةٌ مِن


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ٤٢٨ - ٤٣٠.
(٢) تقدم في ١/ ٤٢٩.
(٣) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.