للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبصارِهم وحَواسِّهم، مما أكَنَّتْه نفوسهم فلم يَظْهَرْ على جَوارِحِهم الظاهرةِ، فَيَنْهاهم ذلك عن خِداعِ أوليائِه بالنفاقِ والكذبِ، ويَزْجُرُهم عن إضْمارِ غيرِ ما يُبْدُونه، وإظهارِ خلافِ ما يَعْتَقِدونه؟

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٩)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: الذين يَلْمِزُون المُطَّوِّعِين في الصدقةِ على أهلِ المَسْكنةِ والحاجةِ بما لم يُوجِبْه اللهُ عليهم في أموالِهم، ويَطْعَنُون فيها عليهم بقولِهم: إنما تَصَدَّقوا به رياءً وسُمْعةً ولم يُريدوا وَجْهَ اللهِ. ويَلْمِزُون الذين لا يَجِدُون ما يَتَصَدَّقون به إلا جُهَدَهم، وذلك طاقتُهم، فينْتَقِصُونهم ويقولون: لقد كان اللهُ عن صدقةِ هؤلاء غَنِيًّا؛ سُخْرِيةً منهم بهم، ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾.

وقد بَيَّنَّا صفةَ سُخْرِيةِ اللهِ بَمَن يَسْخَرُ به من خلقِه، في غيرِ هذا الموضعِ بما أغنَى عن إعادتِه ههنا (١).

﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. يقولُ: ولهم مِن عندِ اللهِ يومَ القيامةِ عذابٌ مُوجِعٌ مؤلمٌ.

وذُكِرَ أن المعنيَّ بقولِه: ﴿الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾: عبدُ الرحمن بنُ عوفٍ، وعاصمُ بنُ عَدِيٍّ الأنصاريُّ، وأن المَعنيَّ بقولِه: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ﴾: أبو عَقِيلٍ الإراشيُّ أخو بني أُنَيفٍ.


(١) تقدم في ١/ ٣١٢ وما بعدها.