للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى هذا التأويلِ الذي تأوَّله ابن جريجٍ فقولُه (١): ﴿لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ [إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا﴾. معناه: لا يأتيكما طعامٌ ترزقانه] (٢) في اليَقَظةِ. لا في النومِ، وإنما أعْلَمُهما - على هذا القولِ - أن عندَه عِلْمَ ما يَئُولُ إليه أمرُ الطعامِ، الذي يَأْتِيهما مَن عندِ الملكِ ومِن عندِ غيرِه؛ لأنه قد عَلِمَ النوعَ الذي إذا أتاهما كان علامةً لقَتْلِ مَن أتاه ذلك منهما، والنوعَ الذي إذا أتاه كان علامةً لغيرِ ذلك، فأخبرَهما أن عندَه علمَ ذلك.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٣٨)﴾.

يعني بقولِه: ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾: واتَّبَعتُ دينَهم لا دينَ أهلِ الشركِ. ﴿مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾. يقولُ: ما جازَ لنا أن نجعلَ للهِ شريكًا في عبادتِه وطاعتِه، بل الذي علينا إفرادُه بالألوهةِ والعبادةِ، ﴿ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا﴾. يقولُ: اتِّباعى ملَّةَ آبائي إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ على الإسلام، وتَرْكى ﴿مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾، مِن فضلِ اللهِ الذي تفضَّلَ به علينا، فأنْعَم إذ أكْرَمَنا به، ﴿وَعَلَى النَّاسِ﴾. يقولُ: وذلك أيضًا مِن فضلِ اللهِ على الناسِ، إذ أرسَل (٣) إليهم دُعاةً إلى تَوْحيدِه وطاعتِه، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾. يقولُ: ولكنّ مَن يَكْفُرُ باللَّهِ لا يَشْكُرُ ذلك مِن فضلِه عليه؛ لأنه لا يعلمُ مَن أنعَمَ به عليه، ولا يعرِفُ المُتَفضِّلَ به.


(١) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "في قوله".
(٢) سقط من: م، ت ١، ت ٢، س، ف.
(٣) في ص، ت ٢، س: "أرسلت"، وفى م: "أرسلنا".