للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكرُ الروايةِ بذلك

حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا جابرُ بنُ نوحٍ، قال: ثنا الأعمشُ، عن إبراهيمَ التيميِّ، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ الغِفاريِّ، قال: كنتُ جالسًا عندَ النبيِّ في المسجدِ، فلما غرَبَتِ الشمسُ قال: "يا أبا ذَرٍّ، هل تَدْرِى أَينَ تَذْهَبُ الشمسُ"؟ قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلمُ. قال: "فإنها تَذْهَبُ فَتَسْجُدُ بينَ يَدَيْ رَبِّهَا، ثم تَسْتَأْذِنُ بالرجوعِ فيُؤْذَنُ لها، وكأنها قد قيل لها: ارْجِعى من حيث حِئْتِ. فتَطْلُعُ من مكانِها، وذلك مستقَرُّها" (١).

وقال بعضُهم في ذلك بما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾. قال: وقتٌ واحدٌ لا تَعْدُوهُ (٢).

وقال آخرون: معنى ذلك: تَجْرِى لمجْرًى لها إلى مقاديرِ مواضعِها. بمعنى أنها تَجْرى إلى أبعد منازلِها في الغروبِ، ثم تَرْجِعُ ولا تُجاوِزُه. قالوا: وذلك أنها لا تزالُ تَتَقَدَّمُ كلَّ ليلةٍ، حتى تَنْتَهِيَ إلى أبعدِ مغارِبِها، ثم تَرْجِعُ.

وقولُه: ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾. يقولُ: هذا الذي وصَفْنا من جريِ الشمسِ لمستقَرٍّ لها، تقديرُ العزيزِ في انتقامِه من أعدائِه، العليمِ بمصالحِ خلقِه وغيرِ ذلك من الأشياءِ كلِّها، لا تَخْفَى عليه خافيةٌ.

القولُ في تأويلِ قولِه ﷿: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ


(١) أخرجه الطيالسي (٤٦٢)، وأحمد ٥/ ١٥٢، ١٠٨، ١٧٧ (الميمنية)، والبخاري (٣١٩٩، ٤٨٠٢، ٧٤٢٤)، ومسلم (١٥٩)، والترمذى (٢١٨٦، ٣٢٢٧)، والنسائى في الكبرى (١١٤٣٠)، وابن حبان (٦١٥٤) وغيرهم، من طريق الأعمش به. وأخرجه أحمد (٥/ ١٤٥، ١٦٥ (الميمنية)، ومسلم (١٥٩)، وأبو داود (٤٠٠٢)، وابن حبان (٦١٥٣) وغيرهم، من طريق إبراهيم التيمى به. وينظر ما تقدم ١٠/ ١٥، ٢١.
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٢٦٣ إلى المصنف وعبد بن حميدٍ وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف.