للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ﴾. وفى مسألِتهم إيّاه الآيةَ على صِدْقِه. فإذ (١) كان ذلك منهم كُفْرًا، فغيرُ جائزٍ أن يقالَ لهم وهم كفارٌ: لكم في مَجِيءِ التابوتِ آيةٌ إن كنتم من أهلِ الإيمان بالله ورسولِه. وليسوا من أهلِ الإيمانِ بالله ولا برسولِه. ولكنَّ الأمرَ في ذلك على ما وصَفنا من معناه؛ لأنهم سألوا الآية على صدقِ خبرهِ إياهم ليُقِرُّوا بِصِدْقِه، فقال لهم: في مجئِ التابوتِ - على ما وصَفَه لهم - آيةٌ لكم إن كنتم عندَ مجيئِه كذلك مُصَدِّقيَّ بما قلتُ لكم وأخبَرْتكم به.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾.

وفى هذا الخبرِ من اللهِ تعالى ذكرُه متروكٌ قد استُغْنِي [بدَلالتِه على] (٢) ما ذُكِر عليه عن ذكرِه. ومعنى الكلامِ: إن في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين، فأتاهم التابوتُ فيه سَكِينةٌ من ربِّهم و بَقِيَّةُ مما ترَك آلُ موسى وآلُ هارونَ، تَحمِلُه الملائكةُ، فصدَّقوا عندَ ذلك نبيَّهم، وأَقَرُّوا بأن الله قد بعَث طالوتَ مَلِكًا عليهم، وأَذْعَنوا له بذلك. يَدُلُّ على ذلك قولُه: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ﴾. وما كان ليَفصِلَ بهم إلا بعدَ رضاهم به، وتَسْليمِهم الملُكَ له؛ لأنه لم يكنْ مِمَّن يقدِرُ (٣) على إكْراهِهم على ذلك، فيُظَنَّ به أنه حَمَلهم على ذلك كرْهًا.

وأما قولُه: ﴿فَصَلَ﴾. فإنه يعنى به: شخَص بالجُنُدِ ورحَل بهم.

وأصلُ الفصْلِ القَطْعُ، يقالُ منه: فَصَل الرجل من موضعِ كذا وكذا - يعنى


(١) في م، س: "فإن".
(٢) في م: "بدلالة".
(٣) في م: "يقدرون".