للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أتَى أعرابيٌّ إلى النبيِّ من وراءِ حُجراتِه. فقال: يا محمدُ، يا محمدُ. فخرَج إليه النبيُّ ، فقال: "ما لك ما لك"؟ فقال: تعلَّمْ، إن مَدْحي لزَينٌ، وإِن ذَمِّي لشَيْنٌ. فقال النبيُّ : "ذَاكُمُ اللَّهُ". فنزَلت: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ (١).

واختَلَفتِ القَرَأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ﴾؛ فقرَأته قرَأةُ الأمصارِ بضمِّ الحاءِ والجيمِ من ﴿الْحُجُرَاتِ﴾، سوى أبي جعفرٍ القارئِ، فإنه قرَأ بضمِّ الحاءِ وفتحِ الجيمِ (٢)، على ما وصَفتُ من جمعِ الحُجْرةِ حُجَرٍ ثم جمعِ الحُجَرِ حُجَراتٍ.

والصوابُ من القراءةِ عندَنا الضمُّ في الحرفين كلَيهما؛ لما وصَفتُ قبلُ (٣).

وقولُه: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: ولو أن هؤلاء الذين يُنادُونك يا محمدُ من وراءِ الحجراتِ صبَروا، فلم يُنادُوك حتى تخرُجَ إليهم إذا خرَجْت، لكان خيرًا لهم عندَ اللَّهِ؛ لأن اللَّهَ قد أمَرهم بتوقيرِك وتعظيمِك، فهم بتركِهم نداءَك تارِكُون لما قد نَهاهُم اللَّهُ عنه، ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: واللَّهُ ذو عَفْوٍ عمَّن ناداك من وراءِ الحجابِ، إن هو تاب من معصيةِ اللَّهِ بندائِك كذلك، ورَاجَعَ أمْرَ اللَّهِ في ذلك وفى غيرِه، رحيمٌ به أن يعاقبَه على ذنبِه ذلك، من بعدِ تَوبتِه منه.

القولُ في تأويلِ قولِه ﷿: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (٦)﴾.

قال أبو جعفرٍ : يقولُ تعالى ذكرُه: يا أيُّها الذين صدَّقوا اللَّهَ ورسولَه


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره ٧/ ٢٤٩.
(٢) ينظر النشر ٢/ ٢٨١.
(٣) القراءتان كلتاهما صواب.